د.ع. بلكبير
تعتبر الكتابة أعظم اختراع، بعد اختراع اللغة، في تاريخ الإنسانية. وبها وبالطرق (=البريد) تمكنت البشرية من تأسيس الدولة، إذن العقل والعلم والسياسة والحضارة والتاريخ، لذلك فلقد ارتبط الكتاب كما ارتبط الكتاب بإدارة الدولة، نهض بنهوضها وانحط بانحطاطها، فهو لذلك قرينة على وضعيتها وحقيقتها.
قضية الكتاب إذن، هي في العمق قضية سياسية لا مجتمعية ولا ثقافية تخص المباشرين له من كتاب وطبيعين وناشرين وقراء.
عندما تكون إدارة الدولة راشدة ومستقلة وذات سيادة وطموح استراتيجي... فإنها تهتم بالكتاب، وعندما تفتقد إلى ذلك، فهي تهمله وأحيانا تحاربه، كما تعكس ذلك العديد من رموز الشر في التاريخ.
إدارة الدولة في المغرب، والطبقات التي تمثل مصالحها، فقيرة بل ومستقيلة ثقافيا. تعيد في كل حين إنتاج نمط الازدواحية الاستعمارية المعرقلة بل والقاتلة. استحضار مؤول للتراث لخدمة المخزن (=الأصالة) وتحديث يبرر ويرسخ للتبعية والاستضعاف (=المعاصرة). إذن لا إبداع ولا تجديد ولا تجاوز جدليا وخلافا للآخر في الزمان وفي المكان (التراث والغرب...) هذا هو تعليمنا وإعلامنا ومسجدنا وأسرتنا ومعمارنا وثقافتنا...
ينعكس ذلك على مستوى وضع الكتاب المغربي (أو في المغرب). إذ لا أزمة بالنسبة للكتب الصفراء المدعومة خليجيا. ولا أزمة بالنسبة للكتاب الفرنكوفوني المدعوم فرنسيا. الأزمة هي في الخيار الثالث الوطني والشعبي والديمقراطي... الكتاب العربي والحداثي في آن معا وفي نفس الوقت.
هذا النمط من الكتب ومن ناشريها... هو ما يتعرض للتهميش، بل وللحرب، وذلك سواء على مستوى التعليم أو الإعلام أو مختلف مؤسسات الإدارة ذات العلاقة (المكتبات العامة- السجون – السفارات...إلخ) ولهذا فلقد لاحظنا أن المغامرة في نشره، لا يقدم عليها إلا من لهم حس نضالي لا تجاري. ونلاحظ أيضا أن أكثرهم، تساقط ويتساقط أمام منطق السوق والتوزيع والمردودية المادية. ولا يستمر، إلا من يشتغل في الكتاب الضرورة (المدرسي) أو التراثي أو الفرنكوفوني. وللوعي النقدي وللخيال المبدع... بالتالي لمشروع الدولة الوطنية، المستقلة، النامية، الديمقراطية وذات السيادة، أزكى التحيات والأمانيات... والسلام.
Share this content: