انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

المازيغيات والمزوغية

د.ع. الصمد بلكبير

العربية عربيات، والفصحى واحدة، ذلك لأن الدولة هي كذلك، يجب وطنيا، أن تكون واحدة، ولا وحدة للإرادة السياسية لجماعة اجتماعية، بغير: سوق واحدة وحدود موحدة ولغة فصحى واحدة وموحِّدة. من ثم ثقافة واحدة، تتضمن التعدد اللغوي، الذي لا يعني بحال تعددا ثقافيا، وإن كان يعني تعددا فلكلوريا.

هذا هو منطق قيام الأوطان والأمم – الدول في العصر الحديث. وكل من انزاح عنه، يكون مصيره السحق تحت أقدام الغيلان الرأسمالية، التذرر إلى كيانات تافهة وتجمعات مستباحة: تصدر العاطلين و"العاطلات"... وتستورد المخدرات وأنواع الفساد والأمراض...

والتاريخ، ومنه تاريخ الثقافات واللغات، "استعارة" دائما، يقرأ حسب تصورات وحاجيات المستقبل لا العكس، كما قد توحي بذلك، "البداهات" الواهمة غالبا. هو إذن موضوع اختلاف وصراع، حول المستقبل لا حول الماضي، في حالتنا الراهنة، السؤال هو: هل تتم قراءته (التاريخ) في سياق استكمال التحرر الوطني وترسيخ الاستقلال والسيادة، الشروط اللازمة لكل تنمية وحرية وديمقراطية؟ أم في سياق الاستتباع والاستضعاف والاستعمار (؟!)

منذ العصرين القديم والوسيط، وعى المغاربة ذلك، وتحرروا من الاحتلالات الأوروبية (رومان، وندال) بفضل تحالفهم مع أشقائهم العرب في المشرق (اليمنيون خاصة) وذلك على جميع المستويات، خاصة منها، إقرارهم الفصحى لغة للدين والتعليم والإدارة، وباقي اللغات العربية والمازيغية للأسرة والسوق... (طارق، ابن ياسين وابن تاشفين وابن تومرت وعبد المومن...).

لم يكونوا بدعا في ذلك، فالمصريون، تخلوا عن وثنية الدولة العبودية وعن لغتها الفصحى ولغاتهم الدارجة، وكذلك صنع الشوام والعراقيون... واقتصر الفرس والأتراك من الفصحى على معجمها وحروف كتابتها، أما المرابطون والموحدون والمرينيون... فإنهم اختاروا ما نحن عليه، ولم يرغمهم على ذلك أحد، فلقد كانوا سادة، ولم يتجاوز عدد المشارقة المهاجرين إلى الشمال الإفريقي وجنوب أوربا المئة ألف... جدول في نهر (؟!) 

جميع المغاربة مازيغ، والمازيغيات هي لغاتهم وتراثهم جميعا. وليست لغة أقلية أو أكثرية بحال، يحفظونها ويرعونها كما يصنعون بالفصحى، فلكل وظيفته المرعية والمعتبرة والمطلوبة، والاستعمار القديم (= فرق تسد) هو من اصطنع التناقض، وكان جواب المواطنين جميعا عليه، ترديدهم اللطيف، ذلك لوعيهم، أن الأمر لا علاقة له باللغة أو الثقافة، بل بالفتنة... (؟!)

القرائن على المشترك اللغوي بين العربيات والمازيغيات لا حصر لعددها. ليست المشكلة في المازيغيين، دعاة رعاية المازيغيات، بل في "المزوغيين"، الذين هم مثل الفرنكوفونيين، يوظفون اللغة لتفريق "ثقافي"، تمهيدا لتقسيم سياسي يطل بقرنيه من خلال بدعة الجهوية "الموسعة" أو "المتقدمة" نحو الفيدرالية عمليا (كما حصل في اليمن ويحضر لليبيا...).

تاريخ البشرية (خاصة في جنوب المتوسط) هو تاريخ هجراتها، ولذلك تجد نظامها اللغوي والفولكلوري واحد في مجمله، وهو معنى "كلكم لآدم". فتاريخ الاختلافات طارئ. ومرتبط بنشأة الدول (10 آلاف عام في الأقصى) مقارنة بـ 
(6 ملايين عام) تاريخ وجود البشر على البسيطة (؟!)

وحتى اليوم، ففي اليمن لغات مازيغية، وقرية اسمها مركش، وموسيقاهم ومعمارهم. مطابقان للمغارب، وحلق الشعر وجلسة التربيعة والخنجر كزينة وأكلة العصيدة... كلها موحد، والزغرودة توحد المنطقة العربية مع الهند وأمريكا الأصلية.. وغير ذلك لا حصر لأمثلته، غير أن الاستشراق وتلامذته المغاربة، لا يهتمون. والباحثون الصاعدون لا وسائل  لديهم، ولا توجيه من قبل شعب اللسانيات وكلية اللغة (؟!) والمعهد الأمازيغي ووزارة الخارجية والأحزاب و"المجتمع المدني"... الخ (؟!). ناهيك عن جامعات الغرب ومراكز "بحوثه" التي تحارب مثل هذا التوجه والتوجيه نحو المشرق، في البحث العلمي التاريخي الثقافي واللساني... 

"الحداثيون" المغاربة المعاصرون، يبتعدون يوميا عن العلم وعن الشعب، بل وعن تراثهم الليبرالي وأحرى اليساري، يثيرون اللغط والضجيج في مواضيع مصيرية، وحين تحكِّمهم إلى الشعب، في استفتاء لتقرير مصيره اللغوي أو الثقافي، تكون وجهتهم هم، إلى "المنظمات الدولية" إياها (الرأسمالية في الحقيقة)، لا تهمهم أخطار الفتنة، فحقائبهم جاهزة للهجرة نحو الموعود به، والأدهى أن يطبلوا للمنحة في الأهم (= الدستور)(؟!). إنهم ليسوا ديمقراطيين، بل أقرب إلى الحداثة الاستعمارية، ومنها أبشعها المتمثل في العنصرية الصهيونية ومن ثم التطبيع معها، وهذا من ذلك والعكس(؟!) وتلك بعض دلالات زيارات "بعضهم" لعاصمتهم الحقيقية في فلسطين المحتلة... (؟!)

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: