انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

القهر… والانتهازية

د.ع.الصمد بلكبير

خلال اعتقالات (1973) وجدتني ضمن خليط، لم يجمع شتاته سوى جهل المخابرات، وارتباكها الناتج عن انشغالها بمحاولة (3 مارس 73) الإنقلابية.. ولكن أيضا لأن "النقابة الوطنية للتلاميذ"، جمعتنا كأساتذة من جهة، وكتنظيمين: "إلى الأمام" و"23 مارس". من جهة ثانية، فلقد كانت مشتركة التأسيس بين التنظيمين. وكان الاعتقال إياه، بسببها (؟!)

قلة من أساتذة التنظيمين، والأكثرية تلاميذ. لا علم لهم بهما بل بالنقابة فقط، ورهانا من بعضنا على المزايدة السياسية سبيلا للاستقطاب، انطلقت المنافسة وعلى جميع المستويات، الإيجابي فيها والسلبي، السياسي والسلوكي...إلخ.

تميز أحدنا بـ"النجومية" على هذا الصعيد، وقد بلغت مشاريعه التعبوية، درجة أننا غيرنا –تحت ضغطه- مقاييس الزمن الاجتماعي المتعارف عليها. فلم يعد أسبوعنا سبعة أيام بل عشرة، هي التي تُصنف حسبها برنامج حياتنا السجنية (؟!) والتي لم تعد لها علاقة بنمط حياتنا قبل الاعتقال ولا بنمط حياة أسرنا... والتي هي نوافذنا نحو العالم الخارجي.

شمل ذلك أيضا العلاقة مع السجانين، أقصد الحراس المباشرين، وليس بيروقراطية الرباط، وذلك بالشك والتشكيك والاستعداء... عليهم (؟!)

بعد محطات –تجريبية ثم سياسية- من إضرابات الجوع... سينتهي الأمر بنجمنا، إلى أن يعطي ظهره للرفاق، ووجهته للسجان يتقرب منه، يبتسم في وجهه يعرض عليه خدماته، يقبل كتفه.. بل ويتمم بمفاتيحه، يحاول في كل حين تقبيلها، توهما منه، أنه وأنها السبب في اعتقاله. ومن تم في إمكان الإفراج عنه (؟!)

لم يعد وعيه "العلمي" مسعفا له في الفهم والتفسير، فارتد نحو وعي بدائي وثني (= فتيشى) وشخصي، إنه القهر، الذي يتحول معه المقهور، إلى راغب في القهر (العبودية) بوهم أن الاستخذاء والاستعباد سبيل للتخلص منه، إنها "متوالية استكهولم" أو ما أسماه نيتشه ب"أخلاق العبيد" حيث ينافس العبد سيده في التخلق بأخلاقه في الاستكبار والعنف مثلا، وذلك عندما يتعلق الأمر بمن هو أدنى منه... تمثلا بالسيد وتقربا إليه، وهو النمط الأعلى والأسوء من "المأساة".

الوجه السياسي من المسألة، إن المتطرف يسارا، ينتهي حتما إلى الالتقاء مع المتطرف يمينا، ذلك أن ما يجمع بينهما هو الانتهازية (=اللامبدئية) في الحالتين.

الذي لا مبادئ له، لا استراتيجية له أيضا، والذي يشتغل بدون استراتيجية يجد نفسه حتما وموضوعيا يشتغل ضمن استراتيجية غيره، وقد يكون هذا الغير خصما له أو حتى عدوا، وهذا ما نلاحظ تكاثره راهنا لدى جميع الحركات المتأسلمة والمتياسرة سيان.

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: