انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر
العـدو الألد للاستعمار اليـوم؟

نقصد الرأسمال الربوي – الاستعماري لا غيره (الوطني والاشتراكي) فهذا بين مزدهر أو مقاوم، وهو في الحالتين يُراكم ويستثمر، ويتقدم ويتضامن مع الشعوب الضعيفة والمستضعفة...

الرأسمالية التي تدعي "الليبرالية" هي اليوم مأزومة ومفلسة، ولا تجد سبيلاً للحل، غير الصراع الحاد في ما بين مكوناتها، ومحاولات نقل أزماتها نحو توابعها ونحو العالم عامة. وذلك بمضاعفة الفوائد الربوية ونشر الفساد وباصطناع الحروب، وبالسرقات المعلنة والموصوفة وباقتصاديات الظلام (تجارة السلاح والمخذرات والقمار والعهارة والتهريب والتبييض والتزوير وتزييف العملات والغش وفنون الفلكلور الخليعة والاحتكار والمضاربة والمافيات والإرهاب...) وهذا بعض مما يوصف بالاستعمار الجديد، وطابوره السادس في المستعمرات، وهو أسوء وأخطر من الاستعمار القديم (وطابوره الخامس)، ذلك لأن أزمة هذا الأخير، حلت فقط بفتح أسواق المستعمرات لهجرة الفائض البشري والمالي والسلعي لديهم، وتعميرها وتحديثها بالعنف (وهو عيبها الرئيس) أما هذا الاستعمار الجديد، فيحارب الهجرة المضادة من الجنوب نحو الشمال، ويفكك المجتمعات والدول، ويصطنع الحروب (الأهلية – والحدودية والعدوانية) ويخرب العمران ويقتل البشر ويبتز الثروات، ويفسد الإنسان (وعياً ووجداناً وضميراً...).

"ليبرالية" رأسمالية التأسيس والبناء، كانت محض تقاطع، وأحياناً تطابق (كما الحداثة والعلمانية...) انتهى اليوم إلى انفصال بينهما، بله إلى تنافر وصراع. فلم يعد لليبرالية اليوم من ملاذ يحفظ لها قيمها ومؤسساتها وذاكراتها... سوى الاشتراكية، أما تحت سيادة إله الرأسمالية المعاصرة (الدولار) ومعبدها (المصرف) وعبادتها (الفائدة الربوية) فلقد انتهت إلى أن تصبح متوحشة وخليعة (حسب وصف أحدهم).

أقطاب "نظام حكم التفاهة" يجتمعون عولمياً، لتحديد التحديات، ويذكرون منها (بترتيبات مختلفة حسب الظروف وحسب مصالحهم) الفقر (ويقصدون التفقير) وما يعتبرونه التجارة في البشر (= الهجرة) ولولاها لما قامت لهم أصلا قيامة/ والإرهاب (وهو من صنعهم المباشر وغير المباشر) / وتلوث البيئة (وهو منتوج صناعاتهم وسفههم الاستهلاكي)... ولا يذكرون "الوالدية" (النمو السكاني) إلا في آخر الترتيب، أو يتغافلون عن ذكرها مطلقا، هذا مع انها عدوهم الأول، أما عدوهم الثاني فهو الدين (والتدين بمعنى التخلق) ومؤسساته ورموزه وذاكرته، خاصة منه الإسلام (وليس المسلمين) فضلا عن الاشتراكية (الصين) ووحدة الأمة العربية (بقرينة تحرير فلسطين) (؟!)

"إن من وسائل الإنتاج، قلة الأفواه "هكذا عبر أحدهم، ولذلك فإن عدوهم الأول هو الوالدية، هو الأسرة (إذن المرأة والحب والطفولة) ومن تم وبالتبعية والنتيجة، النظام والاستقرار والدولة المركزية (الجيش والأمن خاصة) وهو ما يفسر حروبهم العدوانية المباشرة (العراق، ليبيا، سوريا...) أو غير المباشرة في (الصومال - يوغسلافيا...) أو الناعمة، بنشر الفوضى في الأذهان والفتنة وعدم الاستقرار في الميدان، باسم "حقوق الإنسان" أو "ضد الفساد والاستبداد" و "الحريات الفردية" تحت لافتة "الربيع" عندنا، وذلك بعد أن استنفذوا ألوان الزهور والورود في أوربا الشرقية (الاشتراكية). ولا يتحدثون عن الاستغلال ولا عن الاستعمار طبعاً (؟!)

غير أن الأخطر، هو ما يمرر معسولا وبطرق خفية وغير ملاحظة للحد من نمو المقهورين، مثل: تشجيع الطلاق (مدونتنا)/ المضاربة في العقار لرفع سومة السكن (شراء أو كراء) / ونسبة الربا العالية/ وغلاء طب وأدوية الأطفال، وحتى لعبهم/ والتطبيع مع الفاحشة (إباحة "الخيانة الزوجية" والجنس المثلي والقرابي (السفاح) والجماعي (التهتك)/ وحرية الجسد (الإجهاض) واعتبار العهارة "عملاً" يستحق الحماية وحتى التشجيع/ والمخذرات والقمار كتعويض عن الحب وعن الجنس (بالنسبة لأبناء الأثرياء)... 

لم تعد الرأسمالية رائدة، لقد استنفدت بالأحرى برنامجها التاريخي والحضاري، وأضحت لذلك قوة رجعية، وهي مثل نظيراتها السابقات (الاقطاعية والعبودية...)، لا ترتد وهي تُحتضر أو حتى تنتحر، نحو قيم سابقتها، بل نحو ما قبل التاريخ، أي ما قبل المدنية والحضارة والفضيلة والدولة... بل وما قبل الدين، نحو البدائية الهمجية والغابوية، ضد النظافة (= القداسة) وضد الأحادية والحب في الزواج والأسرة، وضد الوالدية... ومع القبلية والفوضى وقيم القطيع والغابة (الفوضى واللانظام) في العنف بالغدر، ومفهوم "الآخر" العنصري، للأغيار (عوض الأخوة) ... وفي الأقصى، النزوعات الانتحارية، فردية وجماعية (؟!) 

لا يتعلق الأمر إذن، في "النقاش" المصطنع والمفروض مغربيا وعربيا. بصراع أفكار وأطاريح، بل بالاختيار بين مرحلتين في تاريخ البشرية، إحداهما غابوية - همجية... تعود إلى ما قبل التاريخ (10 آلاف عام)، هي ما يختصرها مفهوم "ما بعد الحداثة" الرجعي، والأخرى طامحة تقدمية وتاريخانية، تزمّن وتبيىء الحداثة والعلمانية والديمقراطية الاشتراكية...

وإنه، ليس بدون معنى، أن يكون التافهون دعاة "الحريات" الفردية، والخلاعة وتفكيك الأسر... هم أنفسهم دعاة العاميات والفرنكوفونية، ومحاربة الدين والتدين (= التخلق) وعرقلة التراكم في الانتقال الديمقراطي، ودعاة التطبيع مع الصهيونية وسيادة الاستعمار...

د. عبد الصمد بلكبير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *