لم يحدث في التاريخ المعروف، أن حوصر وحورب كتاب، مثلما حصل مع هذا الكتاب. وذلك من قبل الذين استهدفهم باتهاماته، وراكم ضدا عليهم الحجج والدلائل، مما لا يمكن الرد عليه سوى بمصادرته عن طريق الاقتناء الاحتكاري تجاريا، والضغط على الطبيعين والناشرين والموزعين والمترجمين، من أجل عدم الاقتراب منه، وأحرى نشره وتوزيعه وتداوله والدعوة إلى قراءته؟ وفقط لأنه صاحبه "فورد" فإنهم لم يغتالوه.
ليس فورد كمؤلف سوى وسم لفريق عمل علمي متخصص، هو مصدر التقارير التي اعتمد عليها تأليف الكتاب، بعضهم مأجور وبعضهم متطوع. وهم في الحالتين يخافون على مناصبهم أو أسرهم أو حتى حيواتهم. غير أنه أيضا تقرير شكوى واحتجاج رأسمالية إنتاج (صناعي خاصة) ليبرالية محافظة، في مواجهة الرأسمالية الربوية والصناعات الحربية...
يعتبر الكتاب لذلك غاية في دقة الوصف ومعطيات التشخيص. غير أنه عند التحليل والاستخلاص تشوب رؤيته حول شديد.
- الخلط بين اليهودية المحرفة (التلمودية) وبين اليهود (ضحاياها). فالأولى "منسجمة" في جذورها الفلكلورية (الأسطورية، السحرية والعنصرية) في حين تخترق اليهود كأقليات، ما يخترق مجتمعاتهم من تناقضات وصراعات، حسب مصالحهم ومطامحهم...
- إنه لا سياسة رجعية في التاريخ بدون مؤامرات، ولكن التاريخ ليس مؤامرة، بل صراع اجتماعي بين طبقات صاعدة وتقدمية وبديلة لأخرى رجعية وبالتالي زائلة.
- تضخيم جزء (طائفة) من الكل (الرأسمالية). هو بحد ذاته سقوط في مخطط "المؤامرة" اليهودية، والتي من مصلحتها تعظيم قوتها ونفوذها (البروتوكولات) وإخفاء مصدر شرورها، الاستغلال الرأسمالي للعمل وللشعوب.
- والطامة، اعتبار البلشفة "مؤامرة" يهودية. وهي "دعاية" رأسمالية. فبقدر ما أن اليهودية الأصليه أقرب إلى الاشتراكية، بقدر ما أن اليهودية التجارية، تطابق مصالح الرأسمالية. عموما، لقد انقسم اليهود بين حليي لمسألتهم: صهيوني- استعماري من جهة، واندماجي اشتراكي، والصراع مستمر ما يزال، كجزء من الصراعات الوطنية والعالمية الراهنة.
تناقض (فورد) مع اليهودية إذن، هو من طبيعة ثانوية، رغم حدته وأهميته. خلاف تناقضات اليهودية مع الاشتراكية. ليست الطائفية (كما القبلية..) في المجتمعات التاريخية، سوى (جماعات وظيفية) لخدمة الطبقات السائدة. غير أن التناقضات الثانوية قد تستحيل رئيسة مؤقتا، وهذه حالتها وأهميتها أمريكيا. بالأمس كما اليوم أيضا.
بعض استخلاصات فورد بليغة:
- تقاطع التوحش الموروث في اليهودية- التلمودية. بالتوحش الرأسمالي المعاصر. ما يفسر تخادمهما وتكاملهما وحتى تطابقهما أحيانا.
- جراثيم الانحراف في اليهودية، تكمن في جذورها: القبلية إذن اللاوطنية/ تناقض وظيفتها التجارية مع الشرعية (النظام والدولة) ومع المشروعيات جميعا/ إرادتها الهيمنة ثم السيطرة على العالم بالمال ورأسمال الربوي والاحتكار والمضاربة والغش والتآمر والحروب والاستعمار.../ حربها للثقافات الوطنية لحساب الفلكلور والسحر واللهجات والتهتك...
- في مواجهتها يجب "تجميد" صراع رأسمال والعمل، وخوض صراع ثقافي- حضاري لمصلحة النظام والسلام والأوطان والإنسان.. (نموذج مواجهة النازية)
- اليهودية بقدر ما تنجزه من ازدهار في الدولة التي تختارها مركزا لنفوذها بقدر ما ينهار كل ما بنته فور تحولها إلى مركز جغرافي بديل: الأندلس سابقا، النمر الستة ثم اليونان/ أمريكا ولبنان حاليا وتركيا في المستقبل المنظور.
الكلمة الفصل في المسألة اليهودية "مازالت لكتاب ماركس في الموضوع، غير أن كتاب "فورد" وشركاؤه، يبقى مرافعة وصك اتهام بليغ ومدعوم بالدليل والحجة، والأهم أنه من قبل (صاحب الدار) الذي لا يمكن اتهامه بالغرض أو بالهوى "الإيديولوجي" أو بمعاداة السامية، وأحرى بالعوربة نقيضا مقاوما للعولمة.
د. عبد الصمد بلكبير
Share this content: