د.ع الصمد بلكبير
لاعلاقة للديمقراطية الحديثة والمعاصرة ب " ديمقراطية " اليونان ، إلاعلى مستوى التشبيه والتقريب ، وإلا فان ابسط شروطها (الديمقراطية ) الابتدائية كالمساواة مثلا ، لم تكن متحققة في مجتمع عبودي كاليونان ،ناهيك عن شروط اخرى عديدة لم تكن متوفرة ولا ممكنة ...
تميل اللغة ( نطقا وكتابة )إلى الثبات . وقانون الأحداث والأفكار .... هو التغير والتطور ، وهذا بعض من مصادر الالتباس وسوء التفاهم
الديمقراطية هي أهم منتوج للحداثة ، إذن للعصر الحديث ، احتاجت لقيامها كنظام للحكم، قمته التداول التنافسي والانتخابي على السلط ، احتاجت لبلوغها، إلى ممهدات وتجارب أهمها : النهضة والإصلاح الديني والتنوير ، قبل قيامها في شكل ثورة اجتماعية ( فرنسا) أو وطنية (أمريكا) ثم دخلت في سلسلة تحولات لتوسيع نطاقها أو تعميق محتوياتها على جميع مستويات بنائها : الحريات ، حقوق المواطن و الإنسان والأقليات والجهات ـ فصل السلط ـ حياد الإدارة ....
ومن عبث التاريخ ( مفارقاته وتناقضاته) أن يتم ذلك في الغرب عن طريق تصدير معضلات انتقاله، ثم تحوله، نحو أراضي وقبائل وشعوب، القارات غير الاروبية ( أسواقها وثرواتها وتوطين فوائضهم البشرية بها )
انفجرت تناقضات الرأسمالية الاستعمارية في حربين عظميين ، فسمح ذلك بتعميق وتوسيع للديمقراطية في أنظمتها ( المرأة والشباب الطبقة العاملة و الحريات...) ومن ثم أيضا، في العلاقات الدولية ( تقرير المصير والاستقلالات السياسية ثم الأمم المتحدة ...) ومثل ذلك، الانتقال الأول لشعوب ودول المستعمرات نحو الديمقراطية .... مرفوقة بالتنمية والسيادة ... الخ
الاستقلال الثاني للشعوب، سواء كمقاومة ( فيتنام ) او كدولة( الصين) دفع بالرأسمالية المعولمة إلى الضغط على مخلفاتها الاستعمارية ( اليونان ، اسبانيا والبرتغال ) والعنصرية ( جنوب افريقيا) ومساعدتها على تحقيق انتقال هادئ ،سلمي وتوافقي ... نحو الديمقراطية ،مستفيدة من خبرات سوابقها دون تطرف او عنف في الصراع ، كما حصل في تاريخ الانتقال الديمقراطي الغربي الحديث
هذا النموذج في الانتقال المتوافق عليه من ضفة الاستبداد، إلى ضفة الديمقراطية ، يخضع لمنطق وقوانين، غير منطق وقوانين التحول ، قانون الديمقراطية هو : صراع توافق، صراع . أما الانتقال، فقانونه هو : توافق صراع توافق وهو يحتاج إلى: 1 ـ نواة صلبة من تكتل المعتدلين في الطرفين على حساب متطرفيهما 2 ـ تدرج ن تختلف اولوياته ، حسب البلد 3 ـ مضمون البرامج الحكومية ، اصلاحي انقادي ، رغم أن الوسائل قد تكون ثورية ( حالة "الربيع" إياه) 4 ـ مجتمع مدني مستقل (= وطني) 5 ـ نخبة عالمة راشدة وطنية وغير أنانية 6 ـ دعم خارجي واحتضان اقليمي ودولي....
ولان العالم الراهن هو سوق (وليس قرية) واحدة ، فلقد اضحى أفق جميع المتاخرين عن ركبه ، هو تحقيق الانتقال بشروط الذين سبقونا باحسان ( امريكا اللاتينية خاصة) .أما ديمقراطية الفيضان بالصناديق ( جزائر 92) أو بالانقلاب المدني ( مصر تونس) او الفوضى ( ليبيا) فهو لعبت عينه والمراوحة في المكان ، وإضاعة الوقت بإعادة إنتاج نفس منطق الإقصاء الذي ميز أنظمة الاستبداد، وسينتهي عندئذ و بعد الانتخابات، الى التوسل ، بنفس وسائله، اضطرارا بالطبع لا خيارا في الغالب
الذي يشتغل بالمنطق الذاتي (= الطمع) ينتحر، ذلك لأنه يشتغل (يناضل )خارج منطق الضرورات ( قواعد الوعي بالإجتماع البشري والسياسة والتاريخ ) فيبحث عن أذنه ويعود بعد 3 سنوات، إلى آلية التوافق ( اليمن ، تونس ) وستعود اليها البقية، إذا كانت النية هي درأ التقسيم ( ليبيا سورية ، مصر ...)
بقيت فكرة أخيرة ثمة جدل كوني، بين الانتقال والتحول الديمقراطيين هنا وهنالك ، إن كل تقدم لشعوب الجنوب والشرق، في انتقالها الديمقراطي، هو دعم للتحولات الديمقراطية في الغرب ،والعكس صحيح تماما ، ولعل من اهم معيقات انتقالاتنا ،هو تعثر تحولاتهم، و انعكاسات ذلك عليهم ( البطالة العنصرية ) وعلينا ،في صيغة الاستعمار الجديد موضوعنا المقبل
الخلاصة : نحن في الوطن ( أو العالم ) العربي بصدد الانتقال الديمقراطي لا بصدد الديمقرايطة . ولا بالأحرى ، بصدد التحول الديمقراطي ، كما يتصرف بذلك عن خطأ الكثير من النخب العربية، دون علم وبأخطاء قاتلة في الممارسات الحزبية النقابية والثقافية .