د.ع.الصمد بلكبير
في الماضي الوسيط، كان الأدب، وكانت الكتابة عموما، مرتبطة بإدارة الدولة الإقطاعية، مركزيا أو في الإمارات. وعن طريق نظام الجوائز من قبل ساكني القصور، كانت تمول سوق الكتابة. وبالطبع فإن قيمة الجائزة ترتبط بمدى الاستجابة لقيم ومطالب المشتري، وقدرة النصوص على تدليسها وصبغها وتسويغها... فنيا وجماليا (=بلاغيا) بحيث لا تبدو ناقصة فاضحة.. وتستقبل باعتبارها (بليغة) وهذه هي الايديولوجيا في الأدب والفن...
ثمة كتابا وأدباء كانت جوائزهم العزلة أو التعذيب أو القتل.. وهم كثير عربيا (ابن المقفع-بشار – ابن الشمقمق) وثمة من وجد الحماية والتمويل من قبل المجتمع (=التجار) (رسائل إخوان الصفا/ المقامات...) وهو الرهان لم يتح له الانتصار عربيا. غير أنه في أوربا انتصر، وذلك بانتصار الطبقة الوسطى التي رعته ومولته وأشاعته. وبذلك انتصر أدب جديد لم يراهن على إدارة الدولة بل على إدارة المجتمع البورجوازي الجديد، انطلاقا من ضون كيخوت ودانت وجوت وحتى شكسبير نفسه ثم الآداب الرومانسية ثم الواقعية خاصة وأعلامها معروفون، وهذه كانت لحظة ظهور "الثقافة" بالمعنى المخصوص للمصطلح، وبروز المثقف، أي توظيف المعرفة لهدف الإصلاح والتغيير، لا التكريس والتفسير... وهي الصفة الرئيس في جميع فلسفات وآداب المجتمعات القديمة (العبودية) والوسيطة (الإقطاعية).
اليوم، نعود القهقرى، كما في الكثير من المجالات، نحو نمط الإجازة، لم يعد الأدباء والفنانون، يهمهم المجتمع، بل إدارات الدول من خلال مراكزها ومؤسساتها المختصة بكل حقل أو مجال على حدة، وبالطبع فإن الذي يدفع (=يجيز) هو الذي يضع المقاييس والقيم المعتبرة، وذلك طبعا لا بشكل مباشر، وإنما عن طريق اختياره لـ"لجنة" يشترط فيها أن تكون "محترمة" إعلاميا وبالطبع "محترمة، لسلم القيم الإيديولوجية إياها.
يركزون اليوم أكثر على الرواية، لأنها كانت أوربيا وعربيا السلاح الأمضى في التوعية والفضح والتعبئة... ولذلك يجب فلها أو تخشيبها عن طريق الدفع بها نحو العناية بالتقنيات الشكلية وبالأشياء وبالحياة خارج العمل وبالتأمل والفوضى والشعبوية والعبث... وليس المقصود التأثير في القارئ وحسب، بل الأهم ناشئة الأدب والكتابة، والدين يقتدون ب"الرواد" (في الجوائز) فيبتعدون بذلك عن شعوبهم وقضاياها ومن تم عن الأدب نحو "الكتابة" (= التصوف).
وعلى صعيد "المعرفة العلمية" فإن الدعم يتم غالبا لما لا مردودية اجتماعية له، وقديما تعوذ أجدادنا من "علم لا ينفع".
وفي جميع الأحوال، وعربيا، وعلى مستويي "الإبداع" و"الإنسانيات" فلا عربي أجيز، دون تنازل مسبق، ثقافي أو سياسي (فلسطين).
Share this content: