د.ع. الصمد بلكبير
ثمة أطروحة تكاد تمسي مؤكدة حول ظاهرة العلاقة العكسية بين الحركات الدينية المسيسة من جهة، والزمن التاريخي. وذلك إسلامية كانت أم يهودية أم مسيحية...
الحالتان الأخيرتان معروفتان: سواء بالنسبة للإنجيلية الصهيونية من جهة، أو اليهودية التلمودية في فلسطين المحتلة، والتي تتخلى تدريجيا حتى عن العلمانية الصهيونية الرجعية، والردة نحو دولة القرون الوسطى الدينية والهمجية. (؟!)
الإصلاحية السلفية التي إنطلقت موحدة مع الوهابية، ومناهضة للإستعمار مع الأفغاني تم مهادنة له مع محمد عبده، ومحافظة مع رشيد رضا، تم متواطئة مع الرجعية ومهادنة للإنجليز مع البنا، ومتطرفة تكفيرية مع قطب... وذلك قبل أن تنتهي الى سذاجة بن لادن الإرهابية، ثم بابا قطر والخليفة البغدادي أي الإنتهاء الى خدمة التوحش الرأسمالي المعاصر السائد راهنا.
مناسبة هذه الفذلكة، هي المقارنة بين الموقف الإخواني اليوم من ظاهرة التعدد المذهبي في الإسلام، (خاصة السنة والشيعة) وموقفهم حتى الأمس القريب من الموضوع، سواء من ذلك وقوفهم مع الثورة الإيرانية "الشيعية" ضداَ على البعث العراقي "السني" خلال الحرب بينهما. أو خاصة هذا النص الرائع في الموضوع. والمكتوب من قبل المرشد العام للإخوان سابقا المرحوم عمر التلمساني (1985)، أهم أفكاره عن الشيعة في النص أدناه أنهم:
1_ ليسوا غلاة كالخوارج. /2_ الخلافات داخل السنة، أقوى مقارنة لخلافهم مع الشيعة. / 3_ إعتمد فقه فقهائهم مراجع بالنسبة لفقهاء السنة. /4_ التذكير بمجهود الإصلاح (البنا) في الدعوة والعمل على تقريب المذاهب الإسلامية، وتأسيسه لذلك مؤسسة مختصة في الموضوع. /5_ إن الصراع بين الطائفتين هو مظهر من مظاهر ضعف المسلمين. /6_ أنه من صنع الإستعمار، بعد أن فشل في ضربهم من الخارج، فعمد الى التخذيل والإختراق. /7_ تنبيهه منذ ذلك، الى أن الفتنة الكلامية في هذا الموضوع، هدفها الأبعد هو التمهيدللفتنة الدموية. /8_ لا حل في نظره سوى الوحدة والعمل الوحدوي. /9_ نقد فقهاء الطائفتين لعدم مبادرتهمالى التقريب. /10_ التقريب بين المذهبين واجب ديني. /11_ التأكيد على ضرورة الفصل بين الحقلين الدينيوالسياسي، وعلى الفقهاء الاهتمام أساسا (أو فقط) بالشأن الأول.
إن الهدف الأسمى والجائزة الكبرى المتغياة من قبل صناع "الربيع" العبري، هو بالضبط بلوغ غايةالإصطدام، المصطنع: السني ـ الشيعي، ومعه وبعده بقية الإختلافات والفروق القومية والطائفية والجهويةوالقبلية واللغوية واللونية... وذلك بتغذيتها وتعميقها وتفجيرها الموقوت. وذلك لمصلحة التوحش الرأسماليالإمبريالي، وترسيخ الإستعمار المتهود لفلسطين ولمجموع الأقطار العربية.
لقد سبق للمرحوم الحسن 2 أن نبه الى ذلك ودعا الى الحاجة الى تأسيس هيئة تختص بموضوع "التقريب"، وفي آخر خطاب له أمام "مجلس التعاون الخليجي"، كانت خلاصة الملك محمد 6 في خاتمته: التأكيد على الضرورة المصيرية لحوار المذاهب الإسلامية، لا تقاتلها بالأحرى!؟
لا سنة ولا شيعة... مسلمون أولا
الشيخ عمر التلمساني
طائفتان من المؤمنين إختلفوا على شيء من القواعد والفروع الشرعية ومضى كل في فهمه حسبإقتناعه، وعاشت الطائفتان مسلمتين، يشهدون بأن الله واحد، وأن محمد عبده ورسوله، ولم تقم بينهمحروب، اللهم إلا ما كان من الخوارج، ومن نحا نحوهم، ممن أله عليا رضي الله عنه. وليست الشيعة من هؤلاءفي شيء. وما كان الخلاف في ما بينهما سببا للقطيعة والإحتراب، بل إن الشيعة كتبوا في الفقه، ما يعتبرهأهل السنة مرجعا من مراجعهم. ولئن إختلف الرأي بين الشيعة والسنة، فإن إختلاف الرأي بلغ بين أئمة أهلالسنة أن حرم الأحناف الصلاة خلف الشافعية، لأن الإمام الشافعي رضي الله عنه، أباح للرجل الزواج منإبنته التي جاء بها من الزنا، مبالغة منه في إهدار قيمة ماء السفاح.
ولكن، لما ضعف شأن المسلمين، وتولي أمورهم قوم لم يحرصوا على إلزام رعيتهم بتنفيذ تعاليم الإسلام،ولما أمعن أعداء الإسلام في إفساد عقائد المسلمين، بمختلف الطرق الخسيسة الدنيئة، ولما رأوا أنهم كلماأمعنوا في الإفساد، تمسك المسلمون بدينهم، على شيء من التفريط، لما رأوا أن كل أساليبهم لم تصل بهمالى غايتهم المنشودة، رأوا أن يغروا المسلمين بعضهم البعض، إضعافا لشأنهم، وتبديدا لشملهم، وتفريقالكلمتهم، فإبتدعوا في السنوات الأخيرة شعار "الشيعة وأهل السنة" وخاصة بعد الثورة الإيرانية، التيزلزلت الكثير من مخططاتهم، وإستجاب بعض المخدوعين من الشيعة وأهل السنة، الى هذا الشعار الممقوت،وأخذوا يتراشقون بسهام الكلمات على صفحات الجرائد ومختلف المؤلفات، الأمر الذي إن لم يتداركه عقلاء الطائفتين فسينتهي الى أوخم النتائج التي ستثير الطائفتين معا، وأعداء الله يقفون موقف المتفرج الشامت،يؤججون هذا السعير بمختلف وسائل الإلتهاب وأدواته.
ولقد أدرك إمامنا الشهيد حسن البنا، أول مرشد عام للإخوان المسلمين، مدى الخير الذي يعود علىالمسلمين، إذا ما توحدت مذاهبهم، أو تقاربت ببذل الجهد الجهيد في تحقيق ما سماه (التقريب بين المذاهب) وإستضاف في المركز العام السيد محمد القمي أحد فقهاء الشيعة وزعمائهم، وعين له مرافقا يصحبه فيغدواته وروحاته، هو السيد محمد طراد، وسارت الأمور خطوات موفقة، حتى شاء الله أن يستشهد الإمامالشهيد، قبل أن يحقق أمنيته المنشودة. ولم تفتر علاقة الإخوان بزعماء الشيعة، فإتصلوا بآية اللهالكشاني، وإستضافوا في مصر نواب صفوى. كل هذا فعله الإخوان، لا ليحملوا الشيعة على ترك مذهبهم،ولكنهم فعلوه لغرض نبيل يدعو إليه إسلامهم، وهو محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية الى أقرب حدممكن، توحيدا لكلمتهم، وتدعيما لصفهم الذي يحاول أعداء الإسلام توهينه بكافة الطرق والوسائل.
وبعيدا عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمين حريصين كل الحرصعلى أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين. إن الحرب بين إيرانوالعراق، ستنتهي إن قريبا أو بعيدا، ويبقى الشعبان، كل على مذهبه. فما أجمل أن يبذل فقهاء الطائفتينكل ما في وسعهم للتقريب بين المذاهب كلها، تحسبا لما قد تحمله بطون الليالي من الأحداث التي لا تكفأذاها عنهم، إلا أن يكونوا أمة واحدة، تصدر عن رأي واحد، ضد أعداء دينهم، دون أن تعتدي دولة منهم علىأخرى عن طريق القوة والسلاح. إن فقهاء الطائفتين يعتبرون مقصرين في واجبهم الديني، إذا لم يعملواعلى تحقيق هذا التقريب الذي يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.
بعيدا عن الأجواء السياسية، ودروبها الملتوية، أطرق هذا الموضوع الحساس، وأتوقع أن أسمع منالكثيرين قولهم "ما لنا ولهذا الآن" وهم معذورون عن هذا التوقف، ظنا منهم أنني أتحدث عن اليوم فحسب، ولكنني لا أتحدث عن أيامنا هذه إنني أتحدث عن مستقبل أشم من هبوب رياحه رائحة البارود التي تملأالخياشيم الحساسة بكل نذر الويل والبلاء. إن من سبقنا زرع فأكلنا، وعلينا أن نزرع ليأكل من بعدنا. هذههي سنة الحياة. فعلى فقهائنا أن يبذروا فكرة التقريب، إعدادا لمستقبل المسلمين، ولئن حالت الظروف دونقيامهم بواجبهم في الحرب الدائرة الآن (=1985)، فإن هذه الظروف لن تحول بينهم وبين واجبهم الديني فيالتقريب، إذ لا يمكن إتهامهم بالتحيز لفريق دون فريق في هذا المجال. ولقد حالت الظروف السياسية دونقيام علماء الطائفتين بواجبهم في كل مجالات الحياة. فما السبب في عيب الظروف السياسية، ولكنه عيبالذين إستودعهم الله أمانة العلم، فلم يؤدوها كما يجب عليهم، وتركوا الأمر لمن لا يحسن تدبيره، فساء حالهموحال المسلمين.
إن الفرص لا تزال سانحة، ومحاولة التفرقة بين المسلمين، عدا هذه الحرب (يقصد بين العراق وإيران)، ماتزال في طور الكلام والمؤلفات. ولكن علينا ألا ننسى أن نار الحرب أولها كلام.
إن فقهاءنا في الطائفتين، على علم كامل بأنهم مأجورون لو حاولوا، حتى لو لم يدركوا المقاصد، فإنهملم يكلفوا إلا العمل والمحاولة، أما النتائج فموكولة الى الفعال لما يريد. وإني ما زلت على ذكر دائم من حديثالرسول (ص) الذي يقول فيه ما معناه "من همّ بسنة حسنة، ولم يفعلها كتبت له، ومن همّ بسيئة، ولم يفعلها لم تكتب عليه".
ألسنا جميعا، فقهاء وغير فقهاء، في مسيس الحاجة الى حسنات مضاعفات من رب السماوات والأرض، وما علينا إلا أن نتحرك لنكسب. ولنترك الساسة والقواد، في ما شغلوا أنفسهم به، ولنعكف نحن على ناحيتنا الدينية، فهي خير لنا وأبقى عن كل ما في هذه الأرض الفانية. فهل نحن معذورون؟ إن الأمل في وجه الله كبير، وما كان الله ليترنا أعمالنا، إنه رؤوف رحيم؟
المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين"
عن: المختار الإسلامي
ع: 37. س: 7، أكتوبر 1985.
Share this content: