انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

“تقليل الأفواه”

ع. الصمد بلكبير

عندما ينعقد مجمع دهاقنة رأسمال وإدارات دوله النافذة، مرة من كل عام، ليحددوا الأولويات والمعضلات والخطط، لمواجهة حلها، وينسقوا في ما بينهم ويعطوا التعليمات والأوامر لغيرهم... فإن ما يعلنونه منها هو غير، بل أحيانا نقيض، ما يخفونه.

إن الأعداء المعلنين لاجتماعاتهم هي نفسها دائما خمسة، والسادسة لا تذكر. ترتيبها غالبا كالتالي: 1-الأخطار النووية (منعا وتقليصا) 2-الشر الايديولوجي-السياسي حقيقة الشيوعية (الصين اليوم) وكذبة "الإسلام" 3-الأزمات الاقتصادية لبنوكهم وأسواقهم وعلاقاتهم في ما بينهم ومع العالم 4-الجوع والأمراض والأوبئة 5-قضايا البيئة والتحولات المناخية.

غير أن البند الذي لا ينصون عليه، والحال أنه الموضوع الرئيس في المداولات، يكون دائما، هو الوالدية أو النمو الديمغرافي.

ليست لديهم هم مشكلة في هذا الصدد، بل إنهم في حاجة إلى بشر، خاصة إذا كان مهيئا ومؤهلا للاندماج، شبابا وعلما (مئة ألف خريج مغربي لديهم مثلا) وثقافة (ولذلك هم يهجرون مسيحيي المشرق بواسطة إرهابهم)، وليست لديهم مع الصين. المثالية في ضبط الوالدية، وإنما طبعا مع شعوب ودول الجنوب، خاصة منها إفريقيا والوطن العربي، هؤلاء الذين يستأنفون، ما دشنه رائدهم طارق الذي أحرق السفن، وهم يحرقون الجوازات في غزو مدني وسلمي، يستدركون به بعض الثروات التي نهبت من أوطانهم، وبعض الحقوق التي حرمت منها أسرهم وشعوبهم.

إن قضية اليوم بالنسبة للبشرية المعاصرة، هي نفسها قضية الأمس القريب في تاريخ الانعتاق الأوربي من ربقة الإقطاع والكنيسة والقنانة والمجتمع التقليدي. وذلك تحت الشعار الثوري العظم في حينه وحتى اليوم "دعه يعمل، دعه يمر" والذي بدونه ما كان للثورة الصناعية أن تحدث، ولا بالأحرى للمجتمع المدني وبناء الدولة الحديثة المركزية والديمقراطية، على حساب الإمارات الإقطاعية، التي يراد لنا العودة إليها. لقد حرر الشعار إياه نصف المجتمع (المرأة) وحرر نصفه الآخر من القنانة إلى المواطنة ومن الحق الإلهي للسلطان إلى حقوق الإنسان... وأولها استرجاعه ملكيته لقوة عمله (≠الكدح) وبيعها "الحر" في السوق الرأسمالية (الاستغلال بديلا متقدما عن الاقتطاع).

[ بالمناسبة، ما بال جمعيات "حقوق" الإنسان محليا وعالميا. لا تقف عند هذا الحق الابتدائي بل والبدائي من حقوق الإنسان والوحيش والحشرات، لقد أضحت الأسواق موحدة في ظل العولمة الرأسمالية، فما بال الأموال والمخدرات والسلع والعدوان... تخترق الحدود، ويمنع البشر. ويتهم ويجرم، لأنه مارس حقا، ما كان للإنسانية أن تقيم حضارة لولا أنها مارسته طيلة تاريخها وما قبل تاريخها.] 

في ندوة صحافية شهيرة للحسن 2 في أواسط الستينيات، صرح قائلا "إن من وسائل الإنتاج، قلة الأفواه" ولقد كان بالطبع يقصد الدعاية لما كان يسمى عهدئذ ب"تنظيم النسل" والذي لو لم يعترض عليه فقهاء جامع الأزهر، لكان نصف المتظاهرين في الميدان على الأقل، غير موجودين أصلا. ولكنه الاستعمار الإسرائيلي في الخاصرة، وعواقبه السيئة المتعددة. ومنها الحاجة الإستراتيجية إلى البشر(؟!)

غير أن ذلك الطرح، قد يعنى أيضا، أنه بدلا من بناء مصنع لخمس مئة عامل مثلا ومتطلباته من المساكن والمقاعد الدراسية للأبناء، والأسرة للمرضى والخدمات البلدية... أن نقضي على خمس مئة حياة. ونصل إلى نفس النتيجة، بأقل كلفة وأقل مجهود.

إن هذا هو بالضبط ما تعمد إليه الرأسمالية بعد أن أضحت عولمية من جهة، وأقل إنتاجية، وأكثر استغلالا وتوحشا في مواجهة أقنان العصر، شعوب ودول الجنوب. لا تحررهم كما كانت تفعل عندما كانت ناشئة، ولا حتى عندما أصبحت استعمارية بشكل تقليدي، بل تعمل وكدها على محوهم من الوجود، وذلك بما لا حصر له من الطرق والأساليب التي تقررها اجتماعات جنيف المنوه عنها في مطلع هذه المقالة. أظهرها الحروب المنتشرة والسائدة اليوم (عدوانية – حدودية – أهلية...) غير أن الخفي منها أعظم وأخطر، وليست الأوبئة (إيبولا مثلا) سوى أهونها، مقارنة بما يقتات منه الجوعى (بمن فيهم المعدمون عندهم) من أغذية سامة مهربة، وسجائر وخمور ومخدرات وأدوية مزورة... فضلا عن الجرائم المنظمة (والتي تبدو عفوية واجتماعية) وضحايا السجون والمستشفيات والمرضى في منازلهم... إلخ.

النظام الرأسمالي العالمي، هو ما ينتج الفقر في محيطاته، والوالدية ليست سوى مظهر من المظاهر السلبية في مقاومته من قبل ضحاياه (=الضمان الاجتماعي للمعوزين). والحال أن الموارد أضحت كافية لرفاهية الجميع في العالم، وبالتالي لضبط الوالدية تلقائيا عندنا كما هو الحال عندهم.

الرأسمالية اليوم، لم تعد تنتج سوى الهمجية، وإصلاح مجتمعاتها المركزية الغربية، وذلك بتحقيق تحولات ديمقراطية في قيمها ومؤسساتها، هو اليوم شرط لانتقالاتنا الديمقراطية وبالتالي لتنمية اقتصاداتنا ومجتمعاتنا وثقافتنا.

عولمة جديدة أو بديلة (اشتراكية) أو همجية وبربرية (ربيع معمم).

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: