انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

الرأسماليات، تستغيث؟

ترامب وديوانه السياسي يخوضان انقلابًا على العولمة لصالح القومية الأمريكية، وعودة موفقة من الليبرالية الفوضوية إلى الديمقراطية المركزية، ومن الأسواق المفتوحة إلى الحمائية التي نشأت منها البورجوازية الرأسمالية. تبدو رأسمالية الأزمة والإفلاس مثل محتضر يتقلب يمنة ويسرة، أملاً في إنقاذ، ولو مؤقت، من خطر الانهيار، ومن انتصار الاشتراكية. ومع ذلك، يجب تهنئة شعوب الولايات المتحدة والأمة الأمريكية بهذا التوالي من القرارات الاستراتيجية، بل والتاريخية أحيانًا، بالنظر إلى أثرها على جميع الأمم، الضعيفة منها والمستضعفة، التي تعاني من نظام العولمة (=الأمركة) الأطلسي، السائد، الاستعماري، والظالم.

لقد صرّح ترامب علنًا بأنه “يحمي المصالح العليا لأمريكا، وعلى الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه لمصلحة دولهم”، وقد انتهى بذلك زمن الرهان على دولارات وقواعد السيد الأمريكي ومخابراته، التي لا همّ لها سوى إشاعة الفتن، والحروب، والانقلابات، والمجاعات، والأوبئة… ضد كل الدول المستقلة، سواء كانت ممانعة، مقاومة، أو—أسوأ من ذلك في نظرهم—اشتراكية.

و”رب ضارة نافعة”، و”الضربة التي لا تقتل، قد تحيي”، ومن قواعد الجدلية الاجتماعية-التاريخية: أن الانقلابات المفاجئة وغير الإرادية في المعادلات السياسية قد تحول السالب إلى موجب، والعكس بالعكس، وهو ما يمكن أن يتراكم حدوثه الآن. فليس أمام إدارات الدول سوى العودة إلى شعوبها، وأسواقها الوطنية والقومية، وتقديم أولوية أوطانها في استهلاك خيراتها، مع الرهان في المنافسة الدولية على جودة السلع، ورخص الأسعار، وعلى الابتكار العلمي، والاجتهاد التقني، والاستثمار في طاقات شبيبتها.

أما الدول التي استثمرت فرصة العولمة بحذر، واحتاطت لهذه اللحظة التاريخية، فهنيئًا لشعوبها ولمستقبلها، مثل الصين. ولا عزاء لأشباه الدول التي أسلمت قيادها لعولمة الراعي الأمريكي، فإذا به يتركها في منتصف الطريق، تتقدم برجل وتؤخر الأخرى. لقد تحولت “امتيازات” التبعية إلى كارثة تلامس انهيارين متوازيين: اقتصادي-اجتماعي، وسياسي. (نموذج: تركيا، المكسيك، وربما تايوان). ولا عزاء أيضًا لـ”النخبة” المرتدة في أوروبا الشرقية، التي هجرت الاشتراكية إلى جحيم الرأسمالية في زمن توحشها—نموذج: أوكرانيا، المجر، وعموم البقية.

في انفجار تناقضات الرأسماليات، ثمة رحمات على المستضعفين في الأرض، إذا ما بادروا إلى استكمال استقلالهم، وتوحيد صفوفهم وبرامجهم، وتوسيع وتعميق اتحاداتهم: المغرب العربي، الجامعة العربية، الاتحاد الإفريقي، التعاون الإسلامي…، واقتحموا رهان ديمقراطية شعبية جديدة، تُؤسَّس بدساتير و/أو مواثيق تصدر عن إرادات شعوبهم ومكوّناتها الاجتماعية.

وعلى الإخوان العولميين—إسلاميين، قوميين، ويسار ليبرالي—أن يتعظوا، ويتحدوا لتأسيس المخرج الوحيد والتاريخي من هذا المأزق الجماعي، ذلكم هو مشروع دولة “الولايات المتحدة العربية”.

د. عبد الصمد بلكبير – مراكش

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: