هذا هو حكم الجغرافيات المغربية، وعموم المغاربية، منذ بدايات العصر الحديث وحتى العهد الراهن:
صراع وتوافقات بين إمبرياليتين، تحدثان أحيانًا بشكل متزامن، وأحيانًا أخرى بشكل متعاقب، مع ما لذلك من انعكاسات محلية، سواء على مستوى الإدارة أو على مستوى المجتمع، وخاصة في أوساط النخب.
منذ الزيارة “التاريخية” للرئيس ماكرون إلى المغرب، وما رافقها وأعقبها من انقلاب درامي في علاقات البلدين، شهدنا عودة للوئام بعد خصام دام ثلاث سنوات، استفاد خلاله الغريم الأمريكي كثيرًا، اقتصاديًا أولًا، وسياسيًا ثانيًا… على حساب فرنسا وحزبها المحلي في المغرب.
وهذا الحزب، بالمناسبة، عتيد ماليًا واقتصاديًا وإداريًا واجتماعيًا، ورغم ذلك، فقد تمت مجابهته من طرف حكومة تصريف الأعمال المغربية، التي كانت، في الجوهر، فرنسية التوجه جملة وتفصيلًا.
حدث هذا التحول بينما كانت الانتخابات الأمريكية تتجه لصالح نظام حكم مدني (ترامب)، على حساب “السيئة” وحزبها المتجذر في المغرب، بما لديه من موارد بشرية وسياسية واسعة.
هذا “الانقلاب في التحالفات”، أي العودة النسبية إلى توازنات المغرب التقليدية بين مصالح الإمبرياليتين، هو ما يفسر الزعيق الأخير الذي ميز خطابات وتحركات حزب أمريكا (السيئة) في المغرب، ضد حكومة المغرب الفرنسية، وضد البرجوازية الرأسمالية المغربية ذات الجذور المحلية والامتدادات الخارجية.
هذه المعارضة، الهجينة وغير الوطنية كليًا أو جزئيًا، تماهت مواقفها مع الجناح الأمريكي التابع للسيئة، في نفس الوقت الذي كانت تتقاطع فيه مع المؤامرة الأطلسية في سوريا.
فهذا الجناح الأمريكي المأزوم، المفلس، والمتوحش، يحسُّ بأن أجله يقترب: أمريكيًا، وعربيًا، وعالميًا، ولذلك ينتفض انتفاضة المحتضر، هنا وهناك، وفي كل مكان على أرض الله وأرض عباده.
وبعد الزيارة “التصحيحية” لماكرون مباشرة، تم الالتفاف جزئيًا على دستور الحماية الأمريكية (2011)، لكن دون ارتداد إلى السوابق الفرنسية، بل نحو شروط سياسية ودستورية تشبه اتفاق الخزيرات 1906 ونموذج الصين.
وقد تجسّد ذلك في انقلابات مست مؤسسات الحكامة، وفي تحجيم دورها، وهي التي لم تكن، في نهاية المطاف، سوى أدوات أمريكية “مدسترة”، صُمّمت لِلجم وعرقلة ومراقبة التحالف الرأسمالي بين فرنسا والمغرب، إداريًا وخاصًا.
Share this content: