انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

حول المفكر والزعيم: ابن برجان

بمناسبة رسالة الأستاذ شحلان في الموضوع، إلى الوزير المسؤول، ومن خلاله إلى منظمة (الإيسيسكو) وما تفرع عنهما من هيئات مشرفة على (مراكش عاصمة للثقافة الإسلامية) في العام 2024، سأورد أدناه "حكاية" في الموضوع طريفة ولكنها دالة، وتصلح أن تكون ملحقة بالرسالة المنوه بها أعلاه.

في أواسط التسعينيات، وأنا حينئذ أترأس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب القاضي عياض بمراكش، سئلنا من قبل العمادة، ولكن باسم رئاسة الجامعة، عن ما يعرفه أساتذة الشعبة عن ولي صوفي أندلسي دفين المدينة: من هو؟ وهل له ضريح؟ وأين يوجد؟ وما قصة هجرته؟ ثم مقامه؟

كان سؤال الرئاسة والولاية مناسبة لمعرفة "الحكاية" التي تستحق الرواية. كانت هناك طالبة جامعية أمريكية اختارت، أو اقترح عليها، في استراتيجية علمية - سياسية ما، موضوع بحثها للسلك الرابع للدكتوراه، وهو الفيلسوف والولي (ابن برجان). وحيث إن أباها كان رجل دولة (برلماني) أمريكي، فقد استفاد من موقعه ليساعد ابنته، وذلك بطلبه من وزارة خارجيتهم أن تساعدها في الموضوع.

وما كان من قسم (شمال إفريقيا) بها إلا أن سارع في الاتصال بسفارتنا هناك، فلم يحر أي منهم بجواب، وذلك بدءًا من السفير إلى الملحق (الثقافي) إلى القناصل جميعًا، فما بالك بالأصغرين من موظفي السفارة. أحالت السفارة الموضوع على الوزارة المسؤولة، فلم تكن المحاولة مجدية، فلم يكن المسؤول أعلم من السائل، فأحيل السؤال على الوزارة المختصة، وحيث لا مجيب، فقد راسلت في الموضوع رئاسة الجامعة، وهي اللحظة التي انطلقت منها حكايتنا.

والبقية أنني كنت قد أسست، بالتي واللتيا، مركزًا علميًا مختصًا بتاريخ وتراث مدينة مراكش، عاصمة المغرب، عندما يكون مغاربيًا. فكان الجواب لديه وافيًا ومفصلًا، لم تستفد منه الطالبة وجامعتها فقط، بل والمدينة أيضًا، وإن بشكل نسبي جدًا. واحتياطًا من قدوم الطالبة مع أبيها لزيارة ضريح القائد السياسي الأندلسي المعارض، تمت زيارة معاينة من قبل السلطتين الجامعية والترابية، مرفوقتين بالأستاذ حسن جلاب (رئيس المركز).

اكتشفوا خرابًا لضريحين متجاورين، لعلمين أندلسيين متعاصرين تم تهجيرهما لدواعٍ سياسية واحدة. الضريح الثاني هو لابن العريف ويزار باسم (سيدي بلعريف). تم ترميمهما بارتجال وعلى عجل، ووُضعت على بابيهما لافتتان من رخام، وانتهى الأمر بنسيانهما، بل وإقفالهما المستمر بين الصلوات، رغم أن الملك نفسه صادف (أو أنه قصد) مروره راجلًا من هناك، ولاحظ وجود القفل على ضريح ابن برجان، وأشار بغمزة خفية لأحد مرافقيه الأمنيين، فبادر بخفة وسرعة إلى كسر القفل، ودخل جلالته في زيارة خاطفة ولكنها دالة إلى الضريح، الذي سرعان ما عاد إلى حالة الإقفال بين الصلوات.

أيها الصديق شحلان، إن الموضوع هو أكبر من وزارة أو وزير، أو حتى (حكومة) لا تحكم. وأكبر من علم وضريح وندوة، كان عدد متابعيها 10% من عدد المكلفين المأجورين على تنظيمها.

المسألة سياسية، وصفتك (الأكاديمية) تمنعك من التصريح بهذه الحقيقة الناصعة والمؤلمة، ولعلها هي ما أخّر مراسلتك المفتوحة للوزير. حزب فرنسا في المغارب جميعًا لا يزال هو المتحكم للأسف، ليس في الإدارة والاقتصاد والمجتمع، بل وفي ما هو أخطر: الثقافة والتعليم والإعلام، أي في (الروح). الأمر الذي يذكرنا بالعظيم (جوته) والحيرة المأساوية لبطل روايته العالمية (فاوست).

نحن اليوم هذا (الفاوست) بالذات والصفات.

معزكم: ع. بلكبير / مراكش في 16 يونيو 2024

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: