هو رثاء عام، بجميع المعاني، الحالة والمحتملة، التي يستحقها جميع ضحايا النظام الرأسمالي السائد في زمن "ما بعد الاستعمارين، القديم والجديد"، ليبرالية التوحش والاغتيال العمد لعموم البشرية الراهنة، وبجميع الطرق الممكنة والميسرة، وذلك لمصلحة بقاء وسعادة "المليار الذهبي الأبيض والأزرق العينين".
جميع من رثى المرحوم، وقفوا عند عقيدته (الديمقراطية) وكونه من مناضلي ورموز حركة (حقوق الإنسان) في المغرب، وليس غير ذلك! وهو أمر صحيح عمومًا، ولكنه في حاجة إلى تدقيق. فعن أي "ديمقراطية" يتحدث المعزون؟ إنها الديمقراطية على النمط الأمريكي! ولقد كان المرحوم أمريكي الهوى والاقتناع على هذا الصعيد، بل وكان من قياديي هذا التيار (الحزب) في المغرب.
والحال أن جميع التطورات السياسية الأمريكية والعالمية السابقة والراهنة تؤكد يوميًا أن الولايات المتحدة فيها حريات فردية فوضوية، لا عامة ولا ديمقراطية. ونفس الحكم السلبي يشمل مسألة "حقوق الإنسان" التي أعادت إنتاجها وتوظيفها الـ CIA لمحاربة جميع الأنظمة الاشتراكية والوطنية المستقلة، وأيضًا لمناهضة ومنافسة استمرار هيمنة الاستعمار القديم الأوروبي على العديد من الشعوب والدول الضعيفة أو المستضعفة والتبعية لهم، ومنها المغرب طبعًا. وكان ذلك على حساب الشعارين الأولين بالتضحية والنضال، أقصد: حقوق الأوطان المستعمرة و/أو التابعة في تقرير مصائرها، وفي السيادة والاستقلال عن الاستعمارين القديم (الأوروبي) والجديد (الأمريكي)، وأيضًا، وبالتبعية، (حقوق المواطن) في أماكن وأزمنة محددة، لا بالحري (إنسان مطلق مجرد، لا وجود له سوى في جغرافياتهم الخاصة المنحلة والمتهتكة = حقوق سيداو في تفكيك الأسر والعائلات؟)
لم ينتبه المعزون إذن، إلى التناقض الفاضح في الوعي والسلوك، بين إدانة الإمبريالية الأمريكية، من جهة، وهي تحاول إبادتنا وجوديًا في غزة، وتزكية ديمقراطيتها (الكاذبة والماكرة) من جهة ثانية، وذلك من خلال رثاء وتعزية المرحوم باعتباره كان (ديمقراطيًا) ومن دعاة (حقوق الإنسان) حسب المراجع والمعايير الأمريكية إياها.
ومن المثير حقًا، أن لا أحد من محيط المرحوم طالب بتشريح جثمانه، مع أنه كان شخصية (شبه عمومية) وموته، ودون إنذارات سابقة، قد يحرض على أسئلة حول موته المفاجئ، وعلاقته المحتملة مع صراع الإمبرياليتين (الأمريكية والأوروبية) حول الساحة المغربية، سياسة واقتصادًا، خلال هذه الفترة.
ولعله من قبيل الميلودراما، أن يدفن حيث سبق لمثيلين له في العقيدة (الديمقراطية) الأمريكية إياها، أن قضيا ب(الصدفة) مكانًا وزمانًا؟! لا يمكن ولا تستطيع فرنسا أن تسلم، دون (مقاومة) في مصالحها الموروثة والحيوية في شمال وغرب أفريقيا.
د. ع. بلكبير
Share this content: