انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

مثير للاستفهام، مثير للتفكير

من هو العدو الرئيس؟ من هو العدو الألد؟
(الإجماع) الغريب، ولكنه السائد، حول (الصهيونية) كعدو رئيس، غريب من جهتين: 1. توحيد المتناقضين حوله، من المجمع الصناعي المدني الأمريكي، إلى اليهود التوراتيين، إلى عموم الليبراليين واليسار في العالم، إلى الإسلاميين والقوميين العرب. هذا مع أن:
2. الصهيونية لم تعد حاكمة في فلسطين المحتلة، بل أن الصهاينة هناك يتظاهرون منذ عام في الشوارع ضد تهويد إدارة (الدولة) وتعطيل مبدأ (معقولية) القرارات التشريعية، وهو الضامن الوحيد للصهيونية باعتبارها مكونًا شَرطًا من مكونات الكيان اليهودية.

لقد مثلت الأطروحة الصهيونية رهانا رأسماليا حداثيا (=مدنيا، علمانيا وديمقراطيا) لحل متوهم للمسألة اليهودية في أوروبا ما بعد الثورة الفرنسية، ولو تم تجميع اليهود في أرض خلاء حقا، لانفجر كيانهم المصطنع دون عواقب تدميرية على شعب وأمة، بل وعالم، كما هو حاصل حاليا. وذلك لأن الرأسمالية الأوروبية حينئذ أصبحت توسعية استعمارية، فأعادت توظيف الصهيونية لا فقط للتخلص من منافس تجاري قوي لأنه عولمي ومحتكر لجزء من الشعب (الطوائف اليهودية) وتجميعه في (وطن) مصطنع، بل إحلاله في وطن شعب آخر بعد طرده منه، والتحكم الشامل وغير المباشر (=استعمار جديد) لأمة عربية متجذرة في التاريخ وطامحة، ولديها مؤهلات منافسة الرأسماليات الغربية.

لقد تحولت الرأسماليات الغربية من الاستعمار إلى التوحش، من التعمير إلى التخريب، من الإنسانوية إلى الحيوانية، من المدنية إلى الغابوية، من الثقافة إلى الفلكلور، من العقلانية إلى الغرائزية، من الوحدة إلى التجزئة والتفكيك، من الأسرة إلى المثلية، من المحبة والحب إلى الكراهية والحقد، من حب الحياة والأمن والسلام، إلى العنف والانتحار والعدوان والحروب بجميع أنواعها ومستوياتها (أهلية، حدودية، دينية، إقليمية، واحتمال أن تنتهي عالمية) لولا تعقل وصبر الدول الصاعدة (الاشتراكية والرأسمالية الوطنية).

هذه اللحظة في تاريخ نهايات الرأسمالية، لا تلتقي ولا تتقاطع، لا مع اليهودية التوراتية، ولا بالأحرى مع الصهيونية، بل مع المسيحية الإنجيلية الصهيونية أولا، ومع اليهودية التلمودية، فضلاً عن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وأداته المفكرة والمدبرة (CIA). هؤلاء اليوم هم الأعدى علينا وعلى البشرية جمعاء، بمن فيها شعوبهم أيضًا، والطوائف اليهودية جميعًا، بمن فيهم الموظفون منهم المرتزقة في فلسطين المحتلة.

لماذا إذن لا يتم استهداف المرمى الرأسمالي الإمبريالي الربوي والمتوحش، وعلى رأسه (الولايات المتحدة الأمريكية) ويتم عن قصد وإصرار التركيز على الصهيونية، أو على ضحاياها اليهود؟ لا شك أن خطاب التغليط والإعلام الرأسمالي الإمبريالي هو من يقف خلف ذلك، ولكنه أيضًا يجد تجاوبًا واستعدادًا من قبل:

  1. البعد العنصري في (الوعي العرقي) للقومية؟
  2. الإسلام المتهود (بالإسرائيليات المعاصرة) المدافع عن العولمة، بديلا ونقيضا للوطنية المعادية لجميع أشكال الاستعمار والاستتباع، والداعي إلى الدولة (الدينية) بدل المدنية الديمقراطية (الجديدة، لا الليبرالية). وهو ما يفسر جزئيًا عداءه للصهيونية، التي تدعو إلى علمانية إدارة الدولة، ولكنها فشلت وهمشت من قبل التيار التلمودي (اعتقال بن غوريون / اغتيال رابين / اعتقال أولمرت). أن اليهودية المحرفة هي أيضًا من يرفض أطروحة (التطبيع) الأمريكية - الأوروبية (المجمع الصناعي المدني) وتوابعه (الصهيونية + البورجوازية الليبرالية العربية، وضمنها الفلسطينية).
  3. اليسار الليبرالي العربي، وماساة هذا التيار الوازن، أنه يتبنى وعيا انتهى أجله (الغرب الرأسماري الاستعماري)، فكيف يصلح خارجه، وقد أصبحت الليبرالية في موطنها الأصلي متوحشة؟

خطاب معاداة الصهيونية اليوم أصبح متخلفا ومتجاوزا مقارنة إلى العدو الألد:

  1. الإمبريالية الأمريكية (CIA)،
  2. المسيحية الإنجيلية الصهيونية،
  3. اليهودية التلمودية.

الانحراف التلمودي هو انبعاث متجدد لما قبل التاريخ في التاريخ، الغابة في المدينة، الفولكلور في الثقافة، وهي معركة قديمة ووسيطة وحديثة، بدأها السيد المسيح، وتمكنت دولة بيزنطة من تحريف دعوته الإصلاحية إلى وثنية جديدة، أصبحت معها (الإله) بالنسبة لأولئك اليهود الذين حررهم من تجار الدين الأحبار، ومن معتقل (الملاح)، غير أنهم اعتقلوا في معابد وثنية تحولت إلى (كنائس) وسدنتها إلى رهبان؟ ما أنزل الله بهم من سلطان.

ثم كانت محاولات الرسول محمد (ص) دون طائل، وبعدها ابن ميمون (الرشدي) وسبينوزا (التنويري)، ثم الفيلسوف الحداثي - الإصلاحي العظيم (ماندلسون)، وذلك قبل استراتيجية قائد التحديث في العالم الحديث الإمبراطور العظيم (نابليون) باعتباره لهم (قومية)، وبالتالي دمجهم في مسار تأسيس الدول القومية المدنية البورجوازية، بديلاً عن الدولة الدينية الإقطاعية، التي قامت الثورة الفرنسية المجيدة لأجل تجاوزها والقضاء عليها، وهذا الرهان النابليوني هو أصل ومرجعية الأطروحة الصهيونية، التي فشلت، بل وشبعت موتا سريرياً، ومع ذلك يصر (البعض) على حفر قبرها والطعن في جثمانها، عوض مواجهة صريحة للعدو الأحق بالمواجهة، تخلفا في الوعي، أو طمعا في التحالف معه والاستتباع له، أو فقط تنفيذا لمخططاته واسترزاقا من صناديقه، كما هو حال الإسلام الرأسمالي الربوي العميل، نظير (الخنزيرة) التي لم تتكلف حتى يومه بتبرئة (ذمتها) من كون نسبة الرأسمال اليهودي فيها يتجاوز 51%؟!

لقد تأكد أنه لا سبيل لإصلاح اليهودية، ومن ثم تحرير اليهود والإنسانية جمعاء من شرور التأويل التلمودي لأساطيرها، سوى بالعودة إلى أصولها السليمة في الدين القويم، والذي هو الفطرة (صحف إبراهيم وموسى) عليهما السلام، ولا تنازلات فكرية أو تدبيرية انتقالية وسياسية معها، بل فقط المواجهة الشاملة والجذرية معها، وذلك باعتبارها أيديولوجية ربا وعنصرية وتوحش، لا دينا. الصهيونية، أصبحت لدى الكثيرين (الحائط القصير) الذي يسهل القفز عليه، مسوغا ومبررا لعدم تحمل مسؤولية مواجهة ومقاومة العدو الحقيقي والألد.

ع، بلكبير
14 يناير 2024

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: