د.ع. الصمد بلكبير
اللغة، هي المظهر المادي للفكر أو الوعي، ولذلك فهي مليئة بموروثه وبمعتقداته العريقة: سحرية – خرافية – أسطورية ودينية...، ذلك لأن أوليات الفكر كانت هي نفسها أوليات اللغة، غير أن الفكر يتجاوز ويتخلص... أما اللغة فتحافظ ولكن بعد انزياح وإعادة توظيف وتأويل...
من ذلك الالهة "خميسة" وزوجها الإله "خميس"، ويجسدها فلكلوريا رمز الكف التي ترد العين (=الشر)، ذلك لأن العين نظر وهذا الأخير هو شرط المعرفة، والمعرفة تملّك وسلطة، ولذلك تخيف ويحتاط منها.
رمز الكف في المغرب، غالبا ما يحتوي رمز العين، ذلك لأن الكف (=العمل) يحتوي ويتحكم في النظر (=العين). وهذا صحيح منطقا وتاريخا، نقيض ما يتصور المتمدرسون "في البدء كان الكلمة" والحقيقة أنه "في البدء كان العمل" إذن الكف، وأهمه "الإبهام" الذي سمح بتميزه عن بقية الأصابع، خروج البشر من الغابة، ولذلك فهو الذي يميز أكفنا عن أشقائنا فيها.
وحدوة الفرس (الصفيحة) قد تنوب عن الكف الآدمي رمزا لـ"خميسة"، في وظيفة رد العين (الشر) لدى المغاربة ولدى غيرهم من شعوب المنطقة.
أن "خميسة" تستبطن خميس في الرقم السحري "عشرة"، ولذلك فهي دائما أنثى: عشتار – عاشوراء – عيشور – عشتروت.. ومنها الدولة والحضارة العاشورية (لا الآشورية) ذلك لأن عالم الآثار الأوربي، فضل أن يفك (ع) بحرف (A) فأنتج عن قصد، فصلا وتمزيقا لتاريخ مشترك مشرقا ومغربا، يؤكده ذلك المعتقد الوثني، وكل الأعياد والطقوس المرتبطة به، ومنها "عاشوراء" عيد المرأة العريق قبل (8 مارس). ولأن نساءنا مفصولات عن ذلك التاريخ، كما هن مفصولات عن أمهاتهن.. فلقد وقعن في القطيعة "الحداثية" بديلا عن الاستمرارية التاريخية والحضارية...
هي إذن آلهة واحدة، لشعوب وقبائل واحدة، تفرقت سبلها الجغرافية، وبقيت جذورها التاريخية والثقافية-الدينية، مستمرة في اللغة، وفي الكثير من رموز "الثقافة الشعبية" الحقيقية لا الفلكلورية...
إضافة: استقدم الأفارقة معهم إلى المغرب، إلها له مثل تلك الوظيفة، يسمى "اسكوكو" وهو يسكن الحيطان، ويستدعى بالطرق عليها، عند الحاجة إلى التعوذ من مكروه محدق، وقد تبناه المغاربة أيضا (النساء خاصة) ربما لأن الشرور كثيرة ولا يكفي لردها، الالهة "خميسة" وزوجها، وحدهما (؟!)
Share this content: