انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
"مقتطف من مذكرات العربي مفضال "زهرة العمر
“المشاطرة” العباسيـة

ذ.ع. الصمد بلكبيـر

ظاهرة التصوف الإسلامي، متعددة، متنوعة  ومعقدة ، اكتنفها خلط وتدليس كثير... غير أن تميزها الجغرافي مغربيا، يعتبر حالة لافتة ومميزة، ذلك خاصة من حيث ارتباطه بالواقع والتزامه الاجتماعي، ومنحاه المتوازن، المعتدل والتوافقي... وفي الحقيقة، فإن ذلك كان منذ ما قبل التاريخ، أساس نشأة الدين ووظيفته في الدفع بالبشر لصنع تاريخهم ( بالأخلاق والقانون والأسرة..... ثم الدولة).

ولعل من استهدافات الاستشراق، لفت الانتباه عن تلك الخصيصة، وتوجيه الأضواء نحو بعض الأنماط الفلسفية والمغالية  للتصوف المشرقي، الأمر الذي انتبه إليه رواد السلفية الوطنية في المغرب (السوسي والفاسي...)، فميزوا مواقفهم من موروث التصوف وراهنه، عن مواقف الرواد المؤسسين (الافغاني-عبده...).

لقد أنتجت الفتوح، مجتمعات، لا علاقة لها بشروط التأسيس البدوية، فللمدينة الإدارية، العسكرية والتجارية...الإسلامية الوسيطية، تحدياتها الاجتماعية الخاصة، والتي لم يستجب لها عموما، فقه الدول التي كانت قائمة. الأمر الذي دفع بالأقوام والجهات والفئات... المهمشة،  إلى ردود فعل، منحرفة أحيانا كثيرة، وتمكنت "الإسرائيليات" من اختراقها وتوجيهها، فأضرت بها وبعموم المجتمعات والدول الإسلامية عصرئذ. واستمر الحال على ذلك حتى يومه . حيث نلاحظ إعادة إنتاج نفس ردود الفعل  اليائسة والتكفيرية والمتوحشة، والأنكى أن يتم ذلك باسم الإسلام وباسم الجهاد.

يكاد وضع المسلمين اليوم، يشبه ماضيهم في مدينة الرسول (ص) بعد الهجرة، حصارا واختراقا، الأمر الذي حذا به (ص) إلى تشريع "المؤاخاة" (اشتراكية الحرب) سبيلا للمقاومة.    

يتضح حتى الآن، أن أجوبتنا السياسية و"الدستورية " و"الدينية" فضلا عن الأمنية..... لا تشغل عاطلا ولا تشبع جائعا ولا تعلم أميا ولا تداوي مريضا  ولا تنصف مظلوما....ولا تقنع مشككا.

في مثل هذه الشروط، تمسي الحاجة إلى استحضار الذاكرة:...

1-إصلاح التفكير الديني وتجديده (نظير الغزالي) ولكن أيضا 2- إلى ذلك  الإمام المبادر إلى الجيل 4 لحقوق  الإنسان أقصد الشيخ السبتي، الكنز الدفين في ضمائر الناس وتدينهم، والذي انتبه في السنة، إلى ما يحتاج في النص إلى صراع تأويلات، ينتصر فيها السلطان غالبا، فاقترح، بل مارس، نهج المشاطرة، سبيلا لحل معضلات محرومي ومعاقي المدينة (الدولة) والمهددين فيها بالانحراف، والذين لم يكونوا كذلك، في مجتمع قبلي –بدوي –رعوي... هو نمط إذن، من الاجتهاد الاقتصادي، و"الجهاد الأفضل " اجتماعيا وأخلاقيا ... 

 والمشاطرة العباسية، هي أرصدة في بنك من رأسمال غير مادي في تراثنا يحتاج إليه  اليوم، مجتمعنا  المدني قبل إدارة دولته، بل وهو قيمة كونية قابلة للتسويق عالميا . 

ترى، هل نطمع اليوم في أن تبادر طبقتنا الوسطى والإدارة، إلى مثل هذا النمط من الإسلام ومن التدين به وإعادة إنتاجه ونشره والعمل به، أولا في سلوكها الاقتصادي (من الاستهلاك إلى الإنتاج) والحياتي (من التبذير إلى التقشف) ومن التبعية إلى الاستقلال الثقافي والأخلاقي ... ومن الأنانية إلى التضامن ... وذلك ليس وحسب لمصلحة الوطن أرضا وشعبا ودولة، بل ولمصلحتها هي نفسها، استقرارا وأمنا  ورخاءا؟ !نرجو أن يدعم ميثاق "المشاطرة" - بقية مواثيقنا الوطنية الجامعة والموحدة والمحفـزة.

أما الإشتراكيون المغاربة، فلقد فاتهم أن لهم في تراث شعبهم الديني والاجتماعي ... جذوراً ورموزاً، والشيخ السبتي، الاشتراكي المثالي، واحداً من بين أهم أولئك. فعليهم لذلك أن يستدركوا التقصير، فهم أولى بالشيخ من غيره. وبمثل ذلك سيساهمون في الالتحاق بشعبهم والمصالحة مع ضميره وذاكرته وتراثه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *