د.ع. الصمد بلكبير
الانتهازي تعريفا، هو من لا مبادئ توجه سلوكه وتضبط قراراته، حتى إذا رأى ربحا عاجلا، أهمل مصلحته الأهم، وذلك فقط لأنها آجلة وغير مؤكدة التحقيق، أو دونها نضال ومحن، وهو مستعجل.
الانتهازي في السياسة أو الثقافة، مثل التاجر في السوق، لا حدود لتحالفاته، ولا أولويات في برنامجه، ولا إستراتيجية لمناوراته وتاكتيكاته... بل ولا وطنية في عولمته، ولا أخلاق في سلوكه...
ولأن الانتهازية ملة واحدة، ولا أهمية في مواقفها لمراجعها الدينية
أو الإيديولوجية، يمينا أو يسارا، فإن رموزها وعناصرها تلتقي في غير ما محطة، وتلتفي في المآلات جميعا ودائما.
هذا هو اليوم مثلا، ما يفسر بعض هذا الالتقاء بين اليسرويين (الترتسكيين منهم خاصة)، عربيا (الأشقر) ومغربيا، وبين المتأسلمين (فوضويين – تكفيريين – إرهابيين...). وذلك فضلا عن الشعبويين من جميع الأصناف والأنواع..
هذا اللقاء، بله التطابق، يفسره أيضا كون الحاضن الاستعماري الأمريكي، يعكس أيضا نفس التحالف، ذلك أن أهم منظري المحافظين الجدد في أمريكا، هم التروتسكيون بها، العدميون وطنيا، والعولميون طبقيا، تماما مثلما تتصور الصهيونية المسيحية (الانجيليون)، أنها بالمساهمة في تجميع اليهود في فلسطين المحتلة، تكون قد اقتربت وقربت تحقيق نبوءة نهاية العالم، والتي تشترط تجميع اليهود وتخييرهم بين التمسيح (أقليتهم) والمحرقة (لأغلبيتهم الساحقة) حسب النبوءة الدينية الخرافية(؟!).
الأشد تطرفا على اليسار، يلتقي حتما مع الأشد تطرفا في اليمين، وذلك رغما عن اختلاف، بل وتناقض إيديولوجيتيهما (=وهمهما)، وذلك لأن العبرة والأهمية توجد في الموقف السياسي لا في غيره، والحال أن الانتهازية السياسية هي ما يوحدهم في هذه الحالة.
"متوالية استكهولهم" تسمح ببعض التفسير أيضا، إن رهائن العصابة التي اقتحمت البنك السويدي لسرقته، هم بالذات الذين انتهوا إلى التعاطف، بله التماهي مع مختطفيهم، وذلك خلال جميع مراحل الحدث الإرهابي، إن المستضعف بدون وعي خاص به وبمصالحه، قد يتصور أنه بالتماهي مع المستكبر، قد يستجلب عطفه وإشفاقه، أو حتى قد يصبح مثله قويا وبالتالي مستكبرا، هو تحت ضغط وتأثير إيديولوجية المضطهِد، لا يتصور أن الحل هو في إلغاء الاضطهاد بطرفيه (المضطهِد والمضطهَد) وذلك بإلغاء شروط قيام الاضطهاد أصلا، بل فقط أن يتحول هو من موقع الضحية إلى موقع الجزار، فهذه العلاقة هي في وهمه الإيديولوجي المغلوط والمدسوس عليه، هي بنية ثابتة ولا يمكن تغييرها، بل فقط قلبها، إنه ضحية مرتين، في واقعه ثم في "وعيه"، ولذلك هو يتصور أنه بسلوكه سلوك مضطهده، سيصبح مثله قويا لا مستضعفا، جزارا لا ضحية... ولذلك هو يبالغ في تقليد مضطهده: عنفا وتخريبا وهمجية... كما نلاحظ ذلك اليوم في اليمن والصومال وفي سوريا وليبيا... من قبل المستضعفين ولكن بقناع التأسلم... وحتى الإرهاب.