توزعت البشرية أفقيا إلى طبقات، وسيدت عليها مالكي الأرض وعبيدها، وأسست إدارات دول لتدبير علاقاتها... فدخلت التاريخ وتركت النساء عموماً في هوامشه "الفطرية" في انتظار ان يلتحق بهن الذكور عند "نهايته" (= التاريخ)، حدث ذلك منذ لا أقل من 10 آلاف عام، وفي شرق الحوض المتوسطي غالباً... وما احتفظن به من قيم "فطرية" هو ما أهلهن لاحتمال "مآسي" التاريخ، أما الذكور فهم الذين تورطوا عموماً في اقترافها (؟!)
غير أن اللحظات المضيئة في التاريخ إياه، كان للنساء حضور فيها، (مصر، الشام، اليمن واليونان...)، ولعل حالة السيدة مريم، ثم أمهات المؤمنين (خديجة وعائشة والبقية) كانت أكثرها إشراقاً وعظمة، واللاحقات معروفات (رابعة، الفهريتان، جان دارك...).
قلما انتبه المؤرخون، غير الممارسين للشؤون العامة، إلى أن الشرط الأول والرئيس للعظماء صانعي تاريخ الدول والمجتمعات، هو تأمين حياتهم قبل حريتهم ومن أجلها، وذلك في مواجهة القوى الرجعية التي تعتبر مشاريعهم التاريخية محوا لوجودهم المادي والفكري – السياسي. عدد الرواد الذين لم يؤمّنوا الحماية قبل الدعوة، هو أكثر بكثير من الذين نجحوا في ذلك وبذلك، ولعل النبي (ص) كان من أبرزهم، وذلك بعموم آله وصحابته. ولكن أساساً بخصوص نسائه، وفي المقدمة منهن مولاتنا خديجة، ثم بقية الأمهات، لقد وفرن له (ص) الدعم والحماية والأمن في المأكل والمشرب والمسكن. فضلا عن الاستخبار وإبداء المشورة والرأي والترويح والمواساة... لقد كن دائرة التحصين الأولي قبل الصحابة ومعهم، والحافظات لاحقاً على شطر من الدين والتدين (التفسير والتأويل) وبالأخص منهن "الحميراء"، لأنها كانت الأصغر والأقرب، ومن تم الأحفظ للتقليد السني، الشارح والمفصل للعقيدة وللشريعة.
لم يقتصر الأمر على "الأمهات"، بل وعموم النساء المضطهدات والمهمشات في المشرق والعالم القديم، المهددات بالوأد والسبي والاستعباد المضاعف... لذلك كن حاضرات في البيعة 3، وعمر (ض) نفسه سبقته أخته، وعندما التحق (ص) بالمدينة مهاجراً، كن المستقبلات، وليس الذكور (؟) بالنشيد الأشهر "طلع البدر علينا" عليهن فعلا، ولكن بالأحرى، على تاريخ الإنسانية التقدمية جمعاء.
لم يكن ذلك التظاهر النسوي والعفوي، لسواد عينيه (ص) (وإن كان فعلاً جميلاً ومهيباً) بل لدعوته التحريرية والتنويرية لعموم المستضعفين في الأرض، وفي المقدمة منهم النساء (شقائق الرجال) والأطفال والشباب والعبيد... عصرئد.
في المجتمعات العبودية، كانت المرأة عموماً، موضوعاً لا إنساناً، محرومة من كل شيء، بما في ذلك أن تعبر عن انفعالها في الحب (وأحرى الإرث ؟!) وإذا حصل (= الانفعال) فمعنى ذلك عندهم، أنها مسكونة بجن، فيجب ضربها لإخراجه منها (؟!)
العدميون تاريخيا، والذين لا يفكرون سوى في "حجرهم". لا يمكن أن يستوعبوا سر تلك التضحيات النضالية لأمهات المؤمنين، في منزل لا غَناء فيه، غير الحكمة وفائض من الحب ومكارم الأخلاق... وكثرة صوم وصيام (؟!) ولعل هذا بعض سر اقتران الصلاة على النبي (ص) بالصلاة على آله.
هذا الخطاب موجه لغير فئتين: 1- المسترجلات ممن يعتبرن "الذكورية" البورجوازية، قدوة لهن. 2- ومن لم تستطعم لذة البذل، وتعتنق استراتيجية التضحية... من أجل الجماعة وتقدم البشرية، فإنها لن تفهم "نساء النبي".
د. عبد الصمد بلكبير
Share this content: