انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

الملامتية

تمتد جذور الزهد والتصوف إلى "الحكمة" الشرقية العريقة وتقاليدها، وقد أعيد إنتاجها "فلسفيا" في اليونان (الرواقيون خاصة)، ثم منها إلى الرهبنة الكنسية... وذلك قبل أن يستقرا في الوعي والمجتمع الإسلاميين.

يبدو التصوف لذلك إطارا عاماً ومشتركاً يخترق حدود الزمن والجغرافيات الطبيعية والاجتماعية والثقافية... فيستحيل لذلك تصنيفه، دون اعتبار لمضامينه العينية وتوظيفاته السياسية من قبل إدارتي المجتمع والدولة معاً وفي نفس الوقت (؟!) 

ولأن "الحكمة" أعرق من الفلسفة، وأثبت من العلم، وهي الشقيقة الكبرى للدين و(ضالة المؤمن) به، فإن ذلك بعض سر استمرارية حضورها في الاجتماع الإنساني وتاريخه، وذلك غالباً في لباس متصوف مع تعدد في الإخراج وتنوع في المضامين والوظائف، ومن ذلك الملامتية، التي من شدة حضورها تكاد لا تبين ولا تلاحظ، وذلك لدى جميع الشعوب التاريخية، ومنها شعبنا الذي لا يفهم ضميره وسلوكه بدون استحضار قيمها وفلسفتها.

الله في الملامتية غير متعال، إلا على العلاقات (السياسية)، فلا حاجة له لذلك إلى خليفة ولا إلى وسيط، غير أنه حال وحاضر في وجدان وسلوك جميع المؤمنين به. المطابقين لإراداتهم بإرادته... والناشدين لفضيلة السلام الروحي، الناتج عن ملاءمة العقل (= التعقل) للطبع والطبيعة... 

الملامتية، نظير جذرها المباشر (الرواقية والكنسية) هي منتوج ميزان قوى بين إدارة الدولة ونخب المجتمع، بحيث تحتكر الأولى السياسة، وتقتصر الثانية على الأخلاق العامة والشخصية، وتعطيل الحق في المعارضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وواجب المقاومة (= الجهاد) أي ما يميز الإسلام عن سوابقه(؟!)

طريق الزهد والتقشف الملامتي، يعيد الإنتاج صوفياً لزهد مرحلة التأسيس النبوي. مسلك يهتم بالممارسة والسلوك للمبادئ والأخلاق، لا بالنظر والخطاب، وأحرى بالمظاهر، العادي منها (الانعزالية والعُجب...) أو المتطرف (الجذب والسّكر والفناء)، لا قواعد له مقررة ولا مشايخ وأتباع ومؤسسات ولا كتب... وإنما صفات وآداب وأقوال واقتداء، يرفض الأخلاق السائدة في الاستهلاك السفيه والأنانية والكِبر والرياء... مع مجهادة للنفس بنقدها اليومي وتزكيتها بالتواضع والقهر وتمييزها عن المنتحلين والمنافقين والمبذرين المفسدين...

  • هذا الرهان في الزهد والتصوف الاجتماعي، يحقق لحظة توافق بين نخبة إدارة الدولة (= إبعاد العامة عن السياسة) وإدارة المجتمع الإصلاحية، (العاجزة)، حالة من حالات "وحدة التناقض" المؤقت ضرورة. انتهى إلى الإخفاق، في نفس شروط هزيمة النزعة الأخلاقية "الكلبية" في اليونان، وذلك باختراقها ومسخها أخلاقياً وتحولها إلى محض شعوذة وتهتك وهمجية...

د. عبد الصمد بلكبير

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: