د.ع الصمد بلكبير
أولا: ملاحظات:
1 -إن الذي لا يملك حق تقرير حاضره ومستقبله. يجد نفسه في مناقشات الماضي أكثر من المستقبل، والحال أن ما نحن بصدد مناقشته اليوم، يكاد يصبح صفحة من الماضي. مقارنة إلى التحولات الاستراتيجية بل والمصيرية التي تحصل راهنا وتقرر مصير البشرية المعاصرة.
أ-الاحتضار التدريجي لا له الرأسمالية الخفي (الدولار) في مقابل التوسع التدريجي لأكثر سبل التجارة العالمة عدالة (=المقايضة) وهو ما ينقص من نفوذها (أمريكا) وسيادتها العالمية أو العولمية.
ب-الفشل الذريع للرهان على العولمة سبيلا لخروج الرأسمالية العالمية من أزماتها. وبداية انكفائها والعودة إلى الاعتراف بالحدود والسيادات القومية للدول والشعوب.
ت-الهزيمة المنكرة لرموز ذلك الرهان. وذلك من خلال تصويتات شعبية مذلة، حصل ذلك مع كل من كاميوون وكلينتون ثم ساركوزي والبقية آتية لاريب فيها.
ث-تفكك جبهة عدوان "الربيع" حتى لم يبق منها اثنان متوافقان، بل وانفجرت تناقضاتهم الداخلية الاتحادية والقومية عموديا ما يهدد بحروب في ما بينهم. وذلك في مقابل تماسك واستقواء جبهة المقاومة ورأس رمحها شعوب الأمة العربية.
2 -إن مصطلح وبالتالي مفهوم "الإصلاح" شديد الغموض والعمومية وفقر الدلالة، ولا نستطيع تعريفه سوى بنقيضه "الفساد والإفساد" والحال أن هذا الأخير يحمل معنيين:
1-فلسفي ميتافيزيقي قديم.. لم تعدله قيمة علمية مع الحداثة، فهو يشير إلى "أصل" مفترض، ومن تم إلى انحراف عنه، يتطلب العودة إليه، "القيام ب"الإصلاح".
2-أخلاقي، ومن تم إيديولوجي-ديني، وهو ما يعيد إنتاج التباس الحقلين (الديني والسياسي) وما ينتج عن ذلك من إضرار بهما معا وفي نفس الوقت.
ب-في سياق التاريخ الإنساني، سنلتقي مع المفهوم في أوربا العصور الوسطى، وهو ما عنى عمليا إحلال التأويل البورجوازي للدين في مقابل التأويل الإقطاعي له: الدين شأن خاص / الإنسان هو خليفة الله لا الملك / فصل الكنيسة عن الدولة / بناء الكيانات السياسية على أسس أرضية (=قومية) / التراكم والاستثمار والتعمير عبادة / الدنيا ليست فقط جسر مرور / الاهتبال بالحياة / سيادة العقل وحقه في تأويل النص الديني / لا وساطة بين الإنسان وربه... إذن اللائكية بما تعنيه من تجريد إدارة الدولة من سلاح الدين، وتمكين المجتمع من السلطة عليه. وتلكم هي شروط النهضة والإصلاح المأمولين عندنا أيضا،
ت-بعد ذلك حلت مفاهيم ومصطلحات أخرى في الغرب: التنوير – الحريات الليبرالية القومية – الثورة ثم التقدم...
ث-بعد قيام أنظمة الدول القومية والرأسمالية الليبرالية والتي ارتبط تاريخها بتعاقب أزماتها. فلقد انتهت في لحظة مفصلية منها، إلى الحاجة نحو التوسع واقتحام الأسواق الخارجية ومن تم السيطرة عليها عنفا وفرض السيادة على أرضها وإدارات دولها. لقد تم كل ذلك بالنسبة للأقطار المستهدفة وذات التاريخ والثقافة (العرب...) تحت راية "الإصلاح" (في مقابل مصطلح التمدن بالنسبة لمن اعتبروا متوحشين) وتحالفت أولا لتحقيق ذلك، مع نخبة المجتمع المدني (التجار خاصة) وشيوخ القبائل والطرق بالنسبة للمجتمع التقليدي، وذلك ضدا على إدارات الدول التي كانت قائمة. (وهو ذاته ما يحصل اليوم).
ج-تبين لاحقا، أن مضمون برامج "الإصلاح" الرأسمالية الغربية تلك، لم تكن بالأساس، سوى تكييف البنيات الوطنية جميعها، لخدمة مراكزهم الغربية وإنتاج نخبة مستلبة، تضمن استمرار التبعية والاستغلال بوسائل محلية وفي إطار عنف "وطني" ولذلك مكنتهم لاحقا من الحكم، تحت توجيهاتها وحتى تدخلاتها إن اقتضى الأمر.
3 -عندما يتعثر الإصلاح ويتأخر عن موعده المطلوب والمفترض، فنحن عندئذ أمام أمرين: أ- إما حاجته من حيث وسائل تنفيذه إلى ثورة.
ب-أو إن المشكلة قد تكون في محتواه المتجاوز أو غير القابل للتنفيذ، ومن تم تكون الأزمة فيه (=الإصلاح)، لا في شروط موضوعه.
ثانيا: "الربيع":
1-لقد دخلت الرأسمالية المعاصرة في دورة أزمة جديدة طاحنة (=إفلاس) ولم تجد أمامها من سبيل للخروج منها، سوى عن طريق ترحيلها أو تصديرها، ولكن ليس بالأساس عن طريق العنف المادي المباشر، لأن هذا أضحى مكلفا، وإنما عن طريق ما تختصره مفاهيم: العولمة / والجيل الرابع من الحروب /القوة الناعمة: نشر الفوضى والفتنة وتضريب مكونات الدولة المستهدفة بعضها ببعض... وهذا ما يصطلح عليه بـ"الاستعمار الجديد".
2-إن مجمل المؤسسات الاقتصادية-الاجتماعية في دول الجنوب والمستهدفة من قبل رأسمالية الغرب هي في ملك إدارة الدولة (القطاع العام)، وذلك بشقيه الاستثماري (بنوك-خطوط-سكك-مناجم-طرق سيارة...) أو الاجتماعي: (صناديق الدعم – الضمان الصحي والاجتماعي – مجانية الصحة والتعليم...) وبالطبع، فإن هذا القطاع يقف على تسييره، ومن تم على حمايته وبالتالي الاستفادة من امتيازاته، سدنة، هم بالأساس: الجيوش – قوى الأمن – الإدارات الترابية... فضلا عما يحيط بجميع ذلك من بورجوازيات السمسرة والريع...إلخ.
الرأسمالية العالمية المأزومة، ستعمد من خلال مؤسساتها الاستعمارية الأممية (خاصة البنكان العالميان – منظمة التجارة العالمية...) إلى الضغط وإملاء التوجيهات التي تخدم مصالحها، أهم ذلك: الخوصصة – حقيقة الأسعار – الانفتاح وتحرير الأسواق- رفع الدعم...إلخ
3-ستبادر بيروقراطية الإدارات في دول الجنوب إلى خوصصة ما تقدر عليه، وذلك ما بين أفرادها وبوسائل "فاسدة" (في منظور العولمة) وتحتفظ على المؤسسات الكبرى، وبذلك تحتفظ من جهة على الاستقرار الاجتماعي (التشغيل – الصناديق...) وأيضا وبالأحرى على امتيازاتها.
4-ذلك هو ما سيعتبر فسادا بالنسبة لمنطق الرأسمالية المعولمة، ذلك لأنه في نظرها: يحتكر/يمنع المنافسة / غير شفاف / يغش في الأسعار ويعرقل ويفسد علاقات السوق والتبادل... والمسؤول عن جميع ذلك بالطبع، هي إدارات تلك الدول، وفي المقدمة منها جيوشها وإداراتها الترابية والأمنية. ولا سبيل إلى "إصلاح" الوضع بغير الضغط عليها، وفي الأقصى الإطاحة بها. وإن اقتضى الأمر بالتدخل العسكري المباشر.
5-يقتضي الهدف تحقيق أمرين متلازمين:
أ-تشكيل أكبر تكتل اجتماعي وطني، وذلك بتجاوز الاختلافات الطبقية والجهوية والقبلية والطائفية والثقافية...(مؤقتا) ولا يتم ذلك بغير تشخيص المشكل في رئيس الدولة.
ب-التركيز في البرنامج السياسي، على شعار وحيد هو "ارحل" وذلك لتحقيق هدفين في آن معا: - تفكيك الإدارة التلقائي برحيله أو اغتياله، ذلك لأنها أصلا مشخصنة – تلافي طرح برامج ستفجر "التكتل" إياه، وتأجيل ذلك إلى ما بعد تفكك كيان الدولة، ومن تم تحول الوضع إلى فوضى شاملة. (ليبيا مثلا)
[اقتضى النقاش المخابراتي الأمريكي حول ذلك الشعار الموحد، تدخل "علماء" من مختلف الاختصاصات: اللغة – البلاغة – التاريخ – الانتربولوجيا – علم النفس...إلخ وذلك قبل التوصل إلى "ارحل" الذي كان أول من أطلقه هو كونداليسا رايس ثم أوباما نفسه، وصار شعارا يوحد الشارع].
6-اقتضى الأمر أيضا، كما حصل الأمر في النمط القديم للاستعمار، اختراق المجتمع (التقليدي منه والمدني) وتوجيهه وتعبئته وتمويله وحمايته، وكل حسب حاجياته ومطالبه: حقوق الإنسان – المرأة – التنمية – محاربة الفساد –الحقوق الجهوية – أو اللغوية – أوالقبلية – أو الطائفية... إلخ وتأسيس جمعيات مختصة بذلك كله، واختراق الصحافة وتفكيك الأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية اليسارية أو اختراقها وتحريفها، والتحالف مع التيارات الأكثر تهميشا واضطهادا (الدينية...) وتأسيس عشرات الصحف والمجلات ودور النشر والإذاعات والقنوات التلفزية الخاصة ومواقع التواصل المجتمعي... وشرط كل ذلك التحكم في النخبة، خاصة منها الجامعية، وذلك بتحسين أوضاعها وتهميش رموزها وشراء الضعفاء أو الجهال منهم، وذلك مباشرة أو من خلال ندوات ومؤتمرات مختصة بإنتاج التضبيب والتحريف والتشويه للمفاهيم والمصطلحات ونشر مقالاتهم وكتبهم وتمكينهم من الجوائز وتشجيع الآداب والفنون الشعبوية والعدمية والشكلانية... ووظفت لأجل ذلك الجامعات ومراكز البحث ودور النشر والإعلام الغربي و"الشرقي" والكنيسة والمخابرات والأموال الطائلة للرشى وتكوين الفيسبوكيين... إلخ.
7-استراتيجية "الإصلاح" اليوم، تشبه أختها في استعمار القرن 19 و20، تكييف الأنظمة الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية-الثقافية بما يلائم ويخدم نظام المراكز الرأسمالية، ولا مانع خلال ذلك، من إتاحة المجال أمام صراعاتها هي نفسها وفي ما بينها على توسيع نفوذها على حساب بعضها في تلك التوابع.
أزمة الاستعمار القديم كانت في فوائضه البشرية والسلعية من جهة وحاجته من جهة أخرى إلى ما ينقصه من أغذية ومواد أولية وأحيانا أيدي عاملة ومرتزقة. أما أزمة اليوم فهي الفوضى والتوحش في نظامه. يتخلص منها بتصديرها إلى أنظمتنا وأسواقنا ومجتمعاتنا وضمائرنا ودولنا...(رمتني بدائها وانسلت...)
كان هدف قديم الاستعمار هو الأرض ما فوقها وما تحتها واليد العاملة الرخيصة... أما هدف جديده، فهو الإنسان نفسه وبالذات، وعيا وذاكرة وخيالا وذوقا وأخلاقا... بل وهنداما وجماليات...إلخ
توسل قديم الاستعمار بالمجتمعات التقليدية للاختراق والتوظيف وبالعنف الشامل، أما هذا الجديد فعن طريق جمعيات المجتمع المدني وبالذكاء الخبيث واصطناع وتضخيم التناقضات والفتن والحروب الأهلية وحروب الحدود...
كان الاستعمار القديم على علاته، يخرب ويبني، يجرح ويعالج، يستغل ويعمر، لمصلحته طبعا، وفي اتجاه المركز الاستعماري، أما الاستعمار الجديد فإنه فقط يقتل ويثير الاقتتال ويخرب البيئة والعمران والأهم الإنسان، وذلك على جميع المستويات، ماعدا إذا هاجر إليه واحتمى به وصاهره، وهو اليوم هدف مركزي بالنسبة إليه، وذلك لحاجتهم إلى الذكور والإناث من ذوي العقول المفكرة والباحثة.
8-كان الاستعمار القديم يجمع ويوحد لتسهيل ماموريات الهيمنة والتسلط، وينشر لذلك بعض أفكار الحداثة والتحديث، كالوحدة على أسس قومية، وقيم الديمقراطية الليبرالية ووضع القوانين...إلخ أما الاستعمار الراهن، فهو فقط يفكك ويفتت ويشجع الهويات النووية القاتلة ويفسد الدين والتدين حتى يسهل عليه توظيفها لمصلحته.
المطلوب إذن تفكيك المفكك أصلا إلى دويلات ضعيفة (نمط يوغسلافيا) أو حتى مجتمعات بدون إدارات دول (الصومال) أو بدون حكومات (لبنان) أو اجتزاء دولة من دولة (السودان) أو اصطناع حروب بين دول قائمة (الجزائر – المغرب – ومصر - إثيوبيا) ومن تم إضعاف الجيوش وتحويلها من حماية الحدود الوطنية إلى حماية الحدود الطبقية أما الأوطان ف"طز في الأوطان" (المرشد العام للإخوان).
9-لقد نجح هذا المخطط، والذي انطلق منذ حوالي ثلاثة عقود في تغيير الأنظمة أو تفكيكها.. في خمسين دولة حتى الآن، ولا يطرح اليوم قضايا حقوق الإنسان والمرأة والتنوع والحق في الاختلاف والدارجات والأقليات والمثلية والأم العازبة واعتبار الفلكلور ثقافة.. وما يتطلبه ذلك من اختراق أو اصطناع لجمعيات المجتمع "المدني" وللصحافة والنخب الفنية أو العالمة... إلا في حدود حوالي 40 دولة في العالم وذلك بعد أن أخضع الجميع لهيمنته.
10-وبالنسبة إلينا نحن خصوصا فإن المستهدف بالدرجة الأهم هو أمران: الأسرة، باعتبارها النواة الرئيسية لقيام الدولة واستقرارها، والعربية الفصحى مقوم الوحدة والتوحيد الوطني ومع الجغرافيا والتاريخ المشتركين قوميا.
ثالثا: أين العطب؟
في النخبة، كانت حاكمة أم معارضة، وفي الحالتين ابتعادهما عن الشعب، واعتبارهما الغرب نموذجا يحتذى ويقتدى، حتى لو تم ذلك بما يتوهم إنه الاختلاف والصراع، لقد وقع استبطان قيم نظام رأسمالي في شرط الأفول والانحطاط، وذلك على جميع مستوياته، وما أزماته اليوم الاقتصادية والسياسية والأخلاقية... إلا منذرات الانحطاط نحو التوحش الشامل ونحو الهمجية، التي يقف اليوم على تصديرها نحو توابعه ومستعمراته الجديدة.
إن تعثر انتقالاتنا نحو الديمقراطية، سببه الرئيس، هو تعثر الغرب الرأسمالي في تحقيق ما يتطلبه التطور على جميع المستويات الاقتصادية والتقنية والعلمية من استجابة اجتماعية وسياسية له. وذلك عن طريق تحقيق التحول الديمقراطي داخله وخارجه، وذلك لمصلحة العاطلين والملونين والنساء والشباب والمهاجرين والمفقرين.. وكذلك وبالأحرى لمصلحة علاقات عادلة ومتوازنة ومتضامنة مع بقية الشعوب الضعيفة والمستضعفة، وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني مقياس الظلم أو العدل في هذا العالم.
إنه يستحيل تحقيق أهدافنا في الوحدة والتنمية والديمقراطية والعدالة... في ظل الرأسمالية اليوم، وأحرى إذا كانت تابعة، وهو قدرها المقدور في عصرنا، لا يأتي ولن يأت من مراكز الغرب الرأسمالي الامبريالي سوى الخراب للعمران وللإنسان.
رابعا: آفاق الإصلاح اليوم وغدا
1-عودة النخبة إلى بعضها البعض وإلى شعوبها، بعيدا عن رهانات الغرب الرأسمالي الكاذبة، وفتح نقاشات جادة وعميقة بين مختلف تياراتها، وذلك على أسس وطنية وقومية من جهة، وإبعاد جميع من تحوم حولهم شبهة العمالة للأجنبي.
2-الهدف المركزي، هو استكمال التحرير الوطني والوحدة الوطنية والمغاربية والقومية، ومن تم تحقيق شرط السيادة على الإدارة والاقتصاد والمجتمع والعلاقات الخارجية، نهج التنمية المستقلة والديمقراطية المركزية وذلك بدستور منبثق من الشعب لا من نخبة وأحرى إذا كانت حاكمة، فإنه "لا حق لحاكم في التشريع" (الشيخ بلعربي العلوي).
3-شرط الإصلاح الديني هو العودة إلى بعد الفطرة فيه (الإنسان والأرض...)، وهو ما يوفر له تحقيق هدف الوحدة والتوحيد، وتمييزه عن التدين وعن الإيديولوجيات الدينية وعن التشريع (الذي مكانه البرلمان) وعن المؤسسات الدينية (مسؤولية الإدارة).
4-الدفاع عن الأسرة وحمايتها من جميع الأخطار المهددة لاستمرارها (المضاربات العقارية-القمار-المخدرات-العهارة...) وعن الفصحى (مع ضرورة إصلاحها) وعن الثقافة في بعدها العلمي والإنساني والوطني-القومي... وتمييزها عن الفلكلور.
5-التوزيع العادل للأرض، ورفع أحوال الاحتكار والمضاربة عنها، وخاصة منها الفلاحية المنتجة، وذلك بتحقيق إصلاح زراعي وقروي، يسمح بالتنمية المتوازنة، وباستقرار الساكنة القروية في قراها وبواديها...
6-العودة لتوازن التخطيط والسوق، واحتكار الدولة لأبناك استثمارية لا ربوية.
7-ربط التعليم بالتكوين وبالمجتمع والإنتاج والثقافة، وسيادة الفصحى على لغة تدريسه، وإعادة الاعتبار للتربية في مناهجه، وإعادة تكوين مكونيه وفصل إدارات الأمن عن تعيينات إدارته.
8-إصلاح الإدارة يقتضي أولا تعريبها، والحد من تفاوتات أجورها الأعلى والأدنى، وإخضاعها للرقابة الشعبية الداخلية (لجن يقظة) والخارجية، والتوحيد
أو التنسيق مركزيا في صرف ميزانياتها، وإخضاع مسؤوليها جميعا لمسطرة الجرح والتعديل شعبيا.
9-المطلول استقلال القضاة لا القضاء، وهو ما يفترض قانونا صارما على اختيارهم وعلى مراقبة سلوكهم وعلى محاسبتهم.
10-إعلام وطني رسمي وديمقراطي، يساهم في التنمية وفي الديمقراطية منفتح على جميع الطاقات والتيارات الوطنية، يحترم قيم الشعب ولغته ويحفظ ذاكرته، بدون تحيز وبدون إشهار، يكون مدرسة وجامعة مفتوحة للتربية والتعليم والتكوين ومحاربة الأميات.
11-الرهان على تحقيق التقدم والعدالة وليس وحسب على ما يصطلح عليه ب"التنمية" والتي لا تفهم خارج إطار التبعية، وذلك لا يتم بغير التعبئة البشرية والمادية بالعلم والتقنية العالية والبحث الجهادي فيهما. واعتماد الكفاءة في المسؤوليات العلمية لا مقياس الأغلبية والأقلية.
12-ضرورة ممارسة النقد الذاتي المتبادل مع الشعب ومع الجيران ومع إفريقيا، فهذا هو السبيل القويم لتوفير ممكنات ومتطلبات الإصلاح، وذلك فضلا عن تحقيق علاقات متوازنة خارجيا، خاصة مع القوى الدولية الصاعدة والأكثر عدالة وتضامنية وديمقراطية في علاقاتها الخارجية.
إن التقليد خطأ دائم، ولا سبيل إلى التحرر من مسلتزماته في تأبيد الضعف والاستتباع. ولا مندوحة عن الابتكار والمغامرة في الإبداع، وإن خسارات المقاومة وإشاعة ثقافتها على جميع المستويات الإدارية والشعبية، هي أقل بكثير من خسارات الاستسلام والاستتباع.
خامسا -خلاصات:
لقد أخطأت الحركات الوطنية والقومية العربية في مطلع القرن الماضي عندما تحالفت مع الاستعمار لمعارضة الاستبداد، وبذلك خذلت الدولة العثمانية وساهمت في تفكيكها وانهيارها بدل إصلاحها، وهو خطأ قاتل لم تسقط فيه بقية الحركات القومية والاشتراكية في الامبراطوريات الشبيهة والمعاصرة عهدئد...(روسيا – الصين)
وعندما يتكرر الخطأ عن طريق تقليده، فإن مفاعيله وعواقبه تتعاظم، وذلك ما سقطت فيه الحركات الإسلامية العربية الراهنة عندما تحالفت مع الاستعمار (الأمريكي في هذه الحالة) ضدا على ما اعتبرته استبدادا وطنيا وقوميا، بل ومع أخطر أدواته أيضا: الإرهاب والتوحش، فلم تجن من ذلك سوى ما نعاينه ونأسى له، خاصة مصر والدولة التركية التي تحولت أوضاعها إلى النقيض المطلق لانطلاقتها، ومن صفر مشكلات إلى ما لا يحصى منها في الداخل وفي علاقات الخارج، لولا الجيرة المنقذة (إيران وروسيا والصين؟).
لقد كانت المسألة القومية في التاريخ الحديث مظهرا من أهم مظاهر الإصلاح الديني غربا وشرقا شمالا وجنوبا، بل إن الحركات الوطنية من أجل الاستقلالات لم تكن في الأغلب الأعم سوى "الجهاد الأفضل" للحركات الفكرية السلفية ومنتوجها، بل وإن الفكرة الاشتراكية التي تلقحت بها الفكرة القومية، وأنقذتها من حيرتها في أواسط الخمسينيات (الناصرية) لم تكن سوى من أثر الفكر الإسلامي المتنور "اشتراكية الإسلام" للمرحوم مصطفى السباعي مثلا...
وجميع الحركات الإسلامية الناهضة اليوم، وظفت وتساوقت مع قومياتها وما تتطلبه وتشترطه مرحليا من كيانات تنسجم معها، حصل ذلك ويحصل في اندونسيا وماليزيا وتركيا وإيران... فما بال الإسلاميين العرب وحدهم عدميين على هذا الصعيد، يعادون أوطانهم وحقوقها في الوحدة القومية، ويضعون إسلامهم في مواجهة قومهم، بل وفي وضع الصراع مع أشقائهم "القوميين"، ويتحالفون لذلك مع أعداء القوميات المستضعفة جميعا، أقصد الاستعمار والصهيونية، فضلا عن الإرهاب والداعشية.
يجب أن نتذكر دائما ونستحضر يوميا، بأن العدو القريب والبعيد لأوطاننا ولأمتنا ولمستقبل الإسلام والأجيال الناشئة هو الاستعمار، وفي المقدمة منه إسرائيل والقواعد الأجنبية العسكرية والثقافية والإعلامية والأخلاقية في أوطاننا، وخصوصا منها المختصة في احتلال عقول وعواطف وأخلاق وسلوك وخيال... شبيباتنا، أما الباقي فأعراض وخلافات ثانوية، قد تكون إيجابية للأطراف جميعا، إذا عرفنا كيف نحسن تدبيرها بالحوار الصادق والعلمي، وبالثقة المتبادلة، وبالتعاون والتضامن في ما هو خير للمجتمع وللدولة وللدين القويم.
وكما تحطمت على صخرة الوطنيات والقوميات الناشئة والفتية أطماع ومخططات الاستعمار القديم، فها هي ذي فوضاه الخلاقة تتحطم تدريجيا على نفس الصخرة، بعد أن صارت لها دول ناهضة ومقاومة من أجل الاستقلال الثاني وبرنامجه في الديمقراطية الجديدة والعدالة الاشتراكية.
لقد ارتد التفكك على أصحابه ولم يبق من أكثر من مئة دولة تكتلت ضدا على الأمة العربية، دولتان متوافقتان ذلك لأن المصالح لا المبادئ هي التي جمعتهم، وحيث إنها أنانية ومتبدلة، فلقد انتهت إلى الانهيار، بل إن وضع التفكك وصل إلى اتحاداتهم وإلى أممهم، في انفجار التناقضات عموديا، حصل ذلك ويحصل في انجلترا وفي الاتحاد الأوربي وفي الولايات المتحدة الأمريكية. كل ذلك بسبب مقاومة الأمة، وتحالفاتها المبدئية والاستراتيجية مع الأمم الشبيهة لها في إرادة الاستقلال ومقاومة الاستعمار والاستتباع.
لقد نهض العرب في التاريخ وقادوا العالم بفضل تحالفاتهم الاستراتيجية والحضارية مع القوميات والثقافات الصديقة، مع الفرس ومع أوربا (الأندلس) ومع الأتراك، وعندما تخلوا أو توزعوا بين ذلك ضعفوا. المفروض منهم اليوم أن يقودوا العالمين، وذلك بإعادة إنتاج ذلك التحالفات بما يتجاوز تجربتهم الرائدة في قيادة "عدم الانحياز" و"الافروآسيوي" و"القارات الثلاث" وخاصة مع الجارتين إيران وتركيا ثم روسيا والصين. كما على الحلفاء أولئك أيضا احترام حقوق العرب في تقرير مصيرهم، ووحدتهم في إطار دولة قومية تخصهم دون تدخل في شؤونهم الداخلية وفي اختلافاتهم من قبل أي كان.
دجنبر 2016
Share this content: