انطلق عبد الصمد بلكبير وكوكبته ... في منتصف 1984، في بناء صرح ثقافي عالي المستوى. اعتمد أولا على المقاربة الشمولية للقضايا
مقتطف من مذكرات العربي مفضال - زهرة العمر

Share this content:

الوجادات 

د.ع الصمد بلكبير 

في أواخر الخمسينيات كان المرحوم عبد القادر زمامة  ينشر شذرات شهرية في مجلة  "دعوة الحق" عندما كان المسؤول عن إدارة تحريرها المرحوم عبد القادر الصحراوي  وكانت عبارة عن مقتبسات ، من مقروئه،  لا يجمعها موضوع ،بل فقط نوادر  وطرائف وأخبار... مما يوجد غميسا في بطون كتب التراث،هي مثل اللاليئ  تحتاج  الى غوص خبير  ،لاكتشافها وإخراجها في  صيغة  " وجادات "

هذا النمط من التأليف قديم في الآداب العربي (الابشيهي ـ الآداب السلطانية ..) ومعاصر(هادي  العلوي  ـ ليلى القاضي ) بل وعريق في الآداب العالمية 

هذه الوجادات ، هي بقدر ما تدل على سعة وعمق اطلاع صاحبها، بقدر  ما تكون مفيدة اشد إفادة  ومتعة لقارئها من مختلف المستويات

***

بعيد الحرب العظمة الأولى ومن بقايا خرائبها ،سيعمد فنانو مدرسة (البا وهاوس) الى  توظيف نفس التقنية ،بعد تركيبها وتوظيفها لكشف  بؤس عواقب الحرب ماديا ومعنويا ،والاحتجاج عليه ـ بواسطة ما يجدونه عرضا ،ويلصقونه على لوحاتهم من مخلفاتها التافهة ولكنها الدالة والصارخة 

هذه التقنية البلاغية ، في توظيف وجادات بلا معنى ،فتصبح في تركيبتها الفنية ،  ذات معان ،  هي ما عمد إليه لاحقا ، أدباء أيضا في المسرح  والرواية، لعل  أشهرهم الصحفي والرسام أيضا ( بيترفايس)  سواء في سردياته أو  مسرحه  الوثائقي "  ومن العرب لا اعرف غير صنع الله  إبراهيم، من يعتمد هذه الجمالية  المناضلة  التي تقتنص العابر اليومي  وما قد يبدو تافها ، فيصبح جديا  بل وسلاحا ماضيا في فهم الواقع  ومن تم المساهمة في توفير شروط  إصلاحه وحتى تغييره 

فنون الشكل غالبا ما تكون رائدة بالنسبة  لبقية الفنون والآداب

  تلك التقنية في السرد  تؤشر على إحساس الكاتب بالمسؤولية اتجاه الواقع لإصلاحه، وتجاه القارئ لتثقيفه  وإمتاعه) بعض الساردين العرب، يقتصرون على التأمل برفقة  مخدر، في انتظار جائزة  الرأسمالية،  هي اليوم اخطر حصار على اخطر سلاح في الآداب لفله او تخشيبه)

***

وفضلا عن جمالياتها فقد تكون ، هذه التقنية ،  غذائية أيضا، وذلك في مايسمى عندنا ب" المدفون" من الطعام  وتعتمد عنصر المفاجئة في ان " تجد " .انت وحظك . ، تماما كما  في المقروء ، أنت وقدرتك على التأويل ...

حياة القصور رتيبة ومملة ،وتستغل لذلك المناسبات ،لاصطناع الفرحة والضحك في جناباتها . ومن ذلك يدفن الطعام للضيوف ( الكسكس مثلا )بقطع  ذهبية ، هي في المغرب العملة المعروفةب ( اللويز) وهي عملة  طردت من التداول في السوق واستحالت   زينة  (قانون العملة الرديئة  تطرد العملة الجيدة اوالصعبة )

كان الملك الراحل ،  يقف على ضيوفه ضاحكا ،كلما " وجد" احدهم .في يده أو ملعقته قطعة منها، فيتضاحكون ويتصاخبون، إلا المرحوم عبد الهادي بوطالب ، فقد كان يخرجها من فمه  ويضعها جانبا ،لا في جيبه كما يفعل الآخرون  "تبركا " و هدية  من دار المخزن للزوجة ...........وعندما ينفضون عن الخوان ،كانت عزة الفقيد وعلمه، يمنعانه من أخذها ،بل يتركها لعبيد القصر فهم أحوج لها ، كان ذلك  يقلق المرحوم فكان رد الفعل هو أن يقلقه أيضا. وكثيرا ما فعل. فلقد كان ابو طالب مرغوبا فيه  ، ذلك لأنه كفء وملكي. ومرغوب عنه، لأنه أبي وهي معادلة صعبة الحل ، وتكاد تكون بدون نظير في التجرية المغربية ،  أما خلافها وحتى نقيضها ، فكثير ، اشهرهم شيخ الاسلام في حال، والمهدي في حال آخر.

***

عندما توفي أبي " وجدت" في دفاتره هذه  الوجادة ،تفسيرا مقنعا سمعه في درس لفيلسوف الفقهاء : الاستاذ الرافعي بمدينة الجديدة : " ووجدك ضالا فهدى ") بك الناس . اذ الضالة هي : الشجرة  المنعزلة في مفازة ،  يستهدى بها  في الرحلة ، عندما يكون الليل دامسا ( غائما ) او النهار فائضا. فالضالة ،  من الكلمات الأضداد وهو تفسير يليق بعلاقة المقامين : الإلهي والرسولي ...

***

تلامذتنا وطلابنا ،لا يعرفون شيئا في الغالب عن "الوجادات" لانها غير مطروقة في المقرارات (؟) 

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Share this content: