د.ع.الصمد بلكبير
مصطلح "المخزن"، بقدر ما هو غامض، بقدر ما هو معبر، ويحتاج لذلك إلى تدقيق، بعيد عن صفة التعيير التي ألصقها به الشهيد عمر، وذلك في سياق صراع السبعينيات، حيث كان يقصد التشخيص أكثر مما يقصد الموقف من المؤسسة نفسها.
هي أعرق مؤسسة معاصرة في المغارب، ولاشك أن تاريخها وتاريخ المغرب الحديث متطابقان، وبغض النظر عن التوصيف والتحليل الاقتصادي-الاجتماعي لها (إقطاع، قايدية...) فإن كفاءاتها السياسية مؤكدة، ومن ذلك، قدراتها (أو اضطراراتها) التحالفية الخارجية والداخلة، والتي تعتبر عنصرا مفسرا لاستمراريتها ومن تم نجاعتها ومردوديتها وطنيا وشعبيا.
سأقتصر على المائة عام الأخيرة:
1-مع بدايات القرن العشرين، تمكن الحسن 1 من تأخير استعمار المغرب بحركتين استراتيجيتين متوازيتين:
أ-تحرك تجديدي وتوحيدي لإدارة الدولة ولعلاقاتها بأطرافها القبلية والجهوية.
ب-استغلال تناقضات الرأسماليات الأوربية الطامعة في استعماره (فرنسا-انجلترا-ألمانيا-إسبانيا...) وتعميقها، لمصلحة استمرارية استقلاله...
خلال حكمه، وخاصة بعد وفاته (الحسن I)، تمكنت فرنسا (التجار-المستشرقون والمخبرون...) من اختراق المجتمع: حماية التجار المغاربة الوسطاء-تسليح بعض شيوخ القبائل وعقد صفقات معهم لاستغلال المعادن – شراء أراضي فلاحية... والأهم إثارة فتن وتمردات وقلاقل البوادي (=بوحمارة...)
نضبت موارد الإدارة، وعجزت عن تحريك جيوشها لضبط التمردات، فاضطرت إلى الاستدانة الربوية الفاحشة من الخارج، لضبط التمردات، فكانت بداية الحماية.
غير أن "ذكاء" ع. الحفيظ وهو يخاطب صدره الأعظم المدني الكلاوي قائلا: إذا كانت "الحماية" مفيدة لبعض الأفراد، فلماذا لا نعممها على الجميع، وهكذا احتمى المخزن بالرأسمالية الفرنسية وأنقذ نفسه. قبل أن تقيله "نخبة" المجتمع التجارية، المحمية فرنسيا (؟!)
2-خلال الحرب العظمى 2، ونتيجة الموقف الشجاع لمحمد 5 في حماية اليهود المغاربة من النازية، التفتت إليه أمريكا بإيجابية، وكان مؤتمر أنفا الذي شكل مناسبة لروزفلت ليخبر الملك عن طريق ابنه الحسن (رغما عن فرنسا الذي رفضت حضوره مادام المترجم الرسمي موجودا "المعمري" بأن أمريكا: "تتفهم المطالب المشروعة للمملكة في الاستقلال والديمقراطية"، وذلك كان سر المبادرة إلى عريضة 11 يناير، وسر تنصيصها على "الديمقراطية" وليس الاستقلال فحسب، وسر التحالف الاستراتيجي بين "المخزن" والحركة الوطنية إلى حين المجيء بالاستقلال.
المخزن أنقذ نفسه مرة ثانية، بالحليف الأمريكي من جهة، والوطني من جهة ثانية، ولم يخطئ في تحالفاته كما حصل لبيرم تونس وغيره... وربما كان للطائفة اليهودية دور في ذلك (؟!)
3-وعندما انطلقت "مفاوضات" اكسن ليبان، وحاولت باريس التحالف مع ديمقراطيي الحركة الوطنية على استقلال سابق وشارط ومقيد لرجوع الملك والملكية المطلقة. تمكن المخزن من الالتفاف على الطرفين، والتحالف رأسا مع المعمر (الإقامة العامة) وحلفائه بالداخل (نموذج الكلاوي)... على أساس ترك ما كان على ما كان: سلطاته من جهة، وقواعدهم العسكرية وسيطرتهم الإدارية والاقتصادية واللغوية وأراضيهم وعملتهم وعملائهم...إلخ.
وكان ذلك التحالف الإنقاذي الثالث للمحافظة على سلطات المخزن ونفوذه، كاملة غير منقوصة، إلا من قبل المعمرين الفرنسيين وممثليهم في الإدارة...
4-ومع خطر "السكتة القلبية" وهي لا تعني سوى "قلب" الاقتصاد: أبناك وصناديق الدولة التي أضحت معرضة للإفلاس وبالتالي للخوصصة (الأمريكية) غالبا، ومن تم توقف كل شيء (القطاع العام والقطاع الاجتماعي) إذن إدارة الدولة المخزنية الراعية. سيلتجئ المخزن للتحالف مع اليسار، تحت إشراف ورعاية فرنسية وحراسة من المؤسسة العسكرية... سيعدل الدستور (96) وتنصب حكومة اليوسفي (98) ويكون الإنقاذ الرابع للمخزن.. وتساقط غيره من منافسيه..
5-أما الإنقاذ الخامس، فهو ما نعيشه ونعانيه مع الحركة الإسلامية، التي طالما حاول البعض حرمانه منها بدعوته إلى حلها (اليازغي 2003) وذلك حتى يحرمه منها، عند الاحتياج إلى إنقاذها. تم ذلك مرة أخرى برعاية أمريكية استراتيجيا، وتدبير ودعم قطري مباشر.
فلمصلحة من، وعلى حساب من، يأتي الدور المقبل (؟!)
ترى هل هي القدامة تستهزئ من الحداثة؟ أم أنها تستعمل التحديث لترسيخ التقليد؟ أم العكس؟ أم فقط، أن أصابع الخارج تتحكم في تناقضات الداخل وتوجه مساراتها جميعا؟
Share this content: