للشيخ أمين الخولي
"الإنسان" أيضا معطى، أو محصلة دينية (ثقافية بوجه عام)، فلا يتصور لذلك خارجها. ذلك باعتباره، قيما جماعية ومبادئ سلوكية-أخلاقية ومراجع أو معايير للتمييز بين ما هو فضيلة وما هو رذيلة بين الطيب والخبيث الحلال والحرام الخير والشر الصالح والطالح الأولي والثانوي النافع والضار... إلخ من الحدود التي بها يتعرف الفرد في مجتمع وتتحدد علاقاته المجتمعية في الأسرة والجيرة والزمالة والصداقة والمحبة... وحتى المواطنة.
هذه المؤسسة، وتلك المبادئ التي لا نستطيع بغيرها تفسير العديد من أحوال التعايش والتعاون والتضامن بين البشر في شتى مجتمعاتهم وتاريخهم. لا تستقر على حال رغم المظهر الخارجي لثباتها. سر ثباتها يكمن في الوظيفة التي تحفظ الوحدة وتؤكد على التماسك رغم الصراع، بل وربما أيضا بسببه، الدين ينزع إلى وحدة الهيأة المجتمعية، والسياسة تنزع على النقيض إلى نزاعها واصطراعها ولا صراع خارج الوحدة وبدونها إلا إذا كان فتنة واحترابا...
تلك الوظيفة في المحافظة وضمان الاستمرارية رغم التغيير، تحتاج هي نفسها إلى تجديد، حسب تحولات المعاش والأفكار والعلاقات... المحافظة إذن تقتضي التجديد. تقتضي الاجتهاد في كل حين لتحقيق الملاءمة وحتى المطابقة بين النصوص والواقع المتغير بطبيعته. بين الوعي ومحيطه، بين العقيدة والشريعة، بين الفرد والجماعة بين الدولة والمجتمع... تقتضي في كل حين رفع الحرج عن الناس في مقتضيات سلوكهم المتغير لتغير شروط العيش والحياة وبين نمط معتقدهم وتصوراتهم الدينية الموروثة عن شروط زمن سابقة... هذا موضوع الاجتهاد، وهذه وظيفة الفقيه، أن يجتهد في تأويل النصوص لتحقيق الملاءمة مع واقع الناس. بما يحفظ مصالحهم من جهة ومقاصد الشارع من جهة ثانية وضمير الناس.. من جهة ثالثة. أما الذين يتصورون إمكان حفظ النص دون ملاءمته فهم يهمشونه في الحقيقة ويغتالونه من حيث يتصورون أنفسهم محافظين عليه. ولذلك اعتبر الإسلام الاجتهاد نوعا من الجهاد، أي عمليا فريضة على المؤهلين لها، الجماعة (=الشعب)، ونخبتها المجتهدة المجاهدة.
ولأن المجتمعات هي الأكثر ميلا نحو التغيير. فهي من تم المساهمة والمشجعة للتجديد والاجتهاد الديني لأنه في مصلحتها، في حين تميل إدارات الدول نحو الاستقرار والمحافظة، (بالمعنى الرجعي للمصطلح). ولهذا السبب تكمن مصلحة الدين المتجدد في انفصاله عن الدولة ومؤسساتها وارتباطه بالأحرى بالمجتمع وإداراته، سلاحا للمقاومة وضميرا للمراقبة والضبط وأداة للتقدم والتحديث.
ب.ع.بلكبير
Share this content: