بالرغم من أن للأمة العربية في تراثها الثقافي المكتوب، ناهيك بالشفوي، ما يعتبر رصيدا محترما جدا فيالعناية بظواهر وابدا عات الثقافة أو الثقافات الشعبية... ان بطريق مباشر أو غير مباشر، مثل كتب لحن العامة مثلا، والتي رصدت بكثرتها وتراكمها ظواهر التطور اللغوي في الخطاب اليومي والا نشاء الأدبي، وذلك غالبا في اتجاه التقارب والتقريب بين الفصيحة والعاميات وثقافاتهما، فقد مر على العرب حين من الدهر توقفوا عن تلكالعناية النظرية على سبيل البحث والتأليف، في شروط تاريخية كانت كل عناية من ذلك القبيل ستحتسب طعنافي الفصحى والتفاتا عن الأخطار المحدقة بها، وبالنتيجة خدمة لأغراض السياسة اللغوية الضمنية أو الصريحة للدول والحكومات الاسلامية غير العربية والتي سادت أجزاء من الأمة العربية أو مجملها وكانت تعمل على تسييدلغتها وفي المقدمة منها كانت الدولة التركية العثمانية.تجددت عناية العرب المحدثين بتراث شعوبهم الشفوي،بارتباط وتلازم مع بروز وتنامي ظاهرة الغزو الاستعماري الحديث، وما سبقه أو تخلله من غزو ذي طبيعة ثقافيةمثل الاستشراق والمستشرقون طليعتها. وقد تم ذلك قبيل الغزو الفرنسي لمصر خصوصا (1798) عن طريقبعض البعثات الفرنسية المختصة في دراسة وتجميع ورصد ظواهر اللغة والثقافة الشعبية العربية. وتحضرنا فيهذا الصدد أسماء شهيرة وعديدة لمستشرقين رحالة، ربما كان من أبرزهم أشخاص، ما كان للحملة الفرنسية أنتقع بالشكل الذي وقعت به لولا تمهيداتهم على ذلك الصعيد، نذكر من بينهم: سفاري (1776) وفولني (1783-1785) وماسبيرو (1881 - 1886) من الفرنسيين. وروز نمللر وفلوجل من الألمان وكارلايل وشولتز الأب منالهولنديين... الخ.ومنذ بداية الحملة وخلالها، نقد اشتغل عشرات المستشرقين في نفس الميدان ولنفس الأهداف،وكان من أبرز نتائج ذلك كتاب "وصف مصر" في ستة وعشرين مجلدا، الكثير من موادها يتصل برصد وبحثظواهر الثقافة الشعبية بمصر. ويعتبر من أهم باحثي الحملة وما تلاها المستشرق بيرسيفال الذي وضع"غراماتيق اللغة العامية" والذي يعد من بواكير كتب التقعيد لتلك اللغة وتيسير تعليمها في مدارس الاستشراقالفرنسية وهو أيضا يعتبر من أوائل ما أصدرته المطبعة الفرنسية التي استقدمتها الحملة معها الى مصر.وإثرانسحاب الحملة (1801) أخذ الفرنسيون معهم بعضا ممن تعاملوا معهم من المواطنين الأغرار غالبا، فكانوا منأوائل المهتمين والدارسين لثقافة شعوبهم، وإن حصل ذلك في اتجاه خدمة مصالح الأجنبي طبعا.من أوائلهؤلاء كان: إلياس بن بقطر السيوطي (1784- 1821) أخذ وهو في سن الخامسة عشرة من عمره ليعينمترجما للكتابات العربية بالإدارة الحربية الفرنسية، ثم محاضرا في اللغة العامية بمدرسة اللغات الشرقية الحيةبباريس وأثناء ذلك ألف معجما لغويا مزدوجا للغتين العامية العربية والفرنسية.وبرفقته اشتغل أيضا زميله فيالهجرة والعمل: ميخائيل بن نيقولا الصباغ (1784- 1816) الذي ألف سنة 1812 بحثا حول قواعد اللغةالعامية بمصر والشام تحت عنوان الرسالة التامة في كلام العامة.أما ثالثهم فكان: ج.أ جوب (1795) وعائلته. الذي اشتغل بمراكز الدراسات الشرقية الفرنسية وألف كتاب "مزيج من الأدب الشرقي والفرنسي" أورد فيهالعديد من المواويل المصرية مترجما الى اللغة الفرنسية.عقب هذا النمط من المستشرقين العرب والذين كانواعموما من الأقباط المسيحيين، وقع احتضانهم، إن لم نقل اغتصابهم وهم بعد أغرار، ستبدأ مرحلة جديدة تميزتهذه المرة باستقدام بعض شيوخ الأزهر نفسه الى أوروبا للاستفادة منهم على صعيد التعليم والترجمة أولا ثمالتأليف لاحقا فيما كان يهم الغرب معرفته من تراث شعوبهم الثقافي. من أوائل هؤلاء كان الشيخ محمد عيادالطنطاوي (1810) وقد شغل منصب استاذ اللغة العربية بمعهد الدراسات الشرقية بسان بطرسبورج لمدة أربعةعشر عاما (1847-1861) وكان من نتائج رحلته تأليفه لمؤلفات تتصل بموضوعنا: "الحكايات العامية المصرية" و"بحث في اللغة العامية" وقد نال تقديرا استثنائيا من قبل دوائر الاستشراق. ثم "أحسن النخب في معرفة لسانالعرب" وبه مختارات من الموال المصري.وهنالك من بين الباحثين العرب الرواد في هذا الميدان من لم يقيموا فيالغرب، غير أنهم استكتبوا من طرفه وذلك من خلال الاستدعاء والحضور الى مؤتمرات الاستشراق نذكر منهمخاصة: الاستاذ محمد عمر الباجوري الذي قدم بحثا في موضوع "أمثال المتكلمين من عوام المصريين الىالمؤتمر العلمي الثامن بالسويد سنة (1879). والباحث الشهير: حفني ناصف، والذي قدم من جهته الى مؤتمرالعلوم الشرقية بفيينا سنة (1885) بحثا بعنوان "مميزات لغة العرب، وتخريج ما يمكن من اللغات العاميةعليها".وحتى هذه المرحلة. فمن الواضح أن بحوث العرب الرواد، لم تكن خالصة لوجه الثقافة الشعبية ممثلةأساسا في لغتها. فبالنسبة للأوائل كان الهم تقديم خدمة في إطار عمل وظيفي مأجور للأجنبي. وبالنسبةللأخيرين فإن هم الفصيحة في الغالب، ومقارنة العامية بها، هو الأوكد والأهم في أبحاثهما.إن ما يمكن اعتبارهمرحلة التأسيس الحقيقية للاهتمام والبحث في هذا الحقل بالنسبة للعرب المحدثين سيبدأ بالذات مع الباحثالبارز الاستاذ أحمد تيمور باشا (1871-1930) وهو الذي وضع جملة من التأليف في الآداب العامية، لم يقدرلأغلبها الصدور سوى لاحقا وبعد وفاته من قبل لجنة مختصة. ونذكر من بين أهمها كتاب: "الأمثال العامية" مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل" و " الكتابات العامية" وهما يجريان مجرى المقارنة مع الفصيحة. ثم كتابه: "تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر" الهجري طبعا، وقد عرض فيه لنخبة من محترفيرواية الطرف والنكات ورواية الآداب العامية كعبد الله النديم وأحمد أبي الفرج الدمنهوري وحسن عبدالباسطوعلي الليثي وأحمد وهبة. كما أنجز جملة أبحاث في موضوعات خاصة ودقيقة مثل: "خيال الظل" و "اللعبوالتماثيل والصور عند العرب" و "الموسيقى والغناء عند العرب". أما أهم أعماله في الموضوع فهو دون شكمعجمه الكبير حول "الألفاظ العامية" والذي صدره بمقدمة ضافية حول خصائص اللغة العامية المصريةوعلاقاتها المتينة بالعربية الفصيحة.ويعتبر الباحث العالم الاستاذ أحمد أمين (1887-1954) ممن لم يتأخرعطاؤهم الغزير على هذا الصعيد أيضا، ففضلا عن كتاباته وأبحاثه في مجال الفكر والحضارة الاسلاميين فقدألف أيضا في موضوع التراث الشعبي قاموسا يعد رائدا في بابه حول "العادات والتقاليد والتعابير المصرية" يتحدث في مقدمته له عن منهجه فيه قائلا: "بدأت بحرف الألف، بالإبرة أذكر على الأخص عقائد المصريين فيهاوالأمثال التي قيلت فيها (...) واستغرق ذلك مني أربع سنوات. ورأيت صعوبات كثيرة في هذا الموضوع. فلم أكنأعتمد إلا على الذاكرة غالبا، وقد ساعدني أني تربيت في حارة بلدية تكثر فيها العادات والتقاليد" (معجم يونس21).محاولات التأسيس تلك انطبعت عموما بانجازها خارج النطاق الأكاديمي والذي توفره شروط الجامعة. فانطبعت لذلك بما ينطبع به كل عمل بحثي غير متخصص ويندرج ضمن اهتمامات الهواية لا المهنة. وإضافةالى ذلك فقد استمر فيها الانشداد الى اللغة العربية الفصحى مرجعا ومقياسا لابراز مدى البعد أو القرب،وبالتالي مقدار المقبولية والمشروعية لها. وكل ذلك طبعا ينبني على مفهوم للتراث الشعبي وللغته يعتبرهما انحرافاأو في أحسن الأحوال تتميما للتراث العربي الفصيح ولتقاليد الاسلام وأعرافه السنية.الراجح، وحسب الأستاذأحمد رشدي صالح، أن البحث المتخصص، الدقيق. والعلمي، لم يبدأ سوى مع الدكتور فؤاد حسنين علي،الأستاذ الجامعي المختص، والذي نشر جملة مقالات متفرقة في مجلة "الثقافة" المصرية، ثم ألف بينها لاحقا فيكتاب أصدره سنة 1947 تحت عنوان "قصصنا الشعبي" ومن خلال تقويم الأستاذ أحمد صالح للكتاب فهو: ينمعن اطلاع واسع فيما كتبه المستشرقون والألمان بخاصة (...) وخير ما قرأنا للمصريين (48-1).ومن المعالمالبارزة لهذه المرحلة، رسالة الدكتوراة التي تقدمت بها سنة 1943 ونشرت في السنة التالية الأستاذة سهيرالقلعاوي في موضوع "الف ليلة وليلة". وبالرغم، وربما بسبب أنها مثلت باكورة الأبحاث العلمية الجامعية فيالوطن العربي في موضوع التراث الشعبي، فإن د. فؤاد حسنين علي يعلق على العمل بأنه محض "عرضوتلخيص لأبحاث بعض العلماء الأجانب... لم يخل من الاضطراب وتنقصه الدقة ويعوزه التحقيق... ويقف عندماوقفت عنده أبحاث الأوربيين من عشرات السنين.. ومرجع ذلك النقص، عدم المران على البحث الدقيق من ناحيةوقلة وسائل الفحص من ناحية أخرى" (صالح 1-48).لم يقتصر الأمر على الانجاز في مستوى التأليف، بل إنهنالك من الباحثين غير المختصين، من ساهم في لحظات التأسيس هاته عن طريق كتابة المقالات فحسب، ومنأهم أولئك نذكر أسماء علماء أفاضل أمثال: الدكتور أحمد ضيف، الذي كان له فضل السبق الى التنبيه علىأهمية دراسات الآداب الشعبية العامية ولغاتها، في مقالة متميزة له تحت عنوان: الأدب المصري في القرنالتاسع عشر" ونفس المساهمة كانت للدكتور شوقي ضيف الذي كتب في هذه المرحلة مقالتين هامتين فيالموضوع: "الفكاهة في الشعر المصري" و "أدبنا العامي" وذلك طبعا قبل أن يصدر كتابه الموسوم بـ: "الشعروطوابعه الشعبية على مر العصور" ويقصد الأدب العربي الفصيح غالبا.كانت تلك مرة أخرى، البدايةالتأسيسية والأولية، وهي تتسم طبعا بكل ما يميز البدايات من ظواهر الضعف والنقص الضرورية و "الطبيعية". وفي تقويم الأستاذ أحمد رشدي صالح للمرحلة يعتبر كتاباتها "مستعجلة سطحية.. الكثير منها لا غناء فيها.. ولايتميز بالجد والاستقصاء والدقة. باستثناء عدد قليل للغاية، مثل الدراسات الجامعية، أو كتاب "قصصناالشعبي" أو بعض مقالات ظهرت متفرقة في المجلات بغير رابطة أو وجهة محددة..." ( 1-52).غير أنه مع بدايةالخمسينات، وبارتباط مع التحولات التي بدأت تشهدها المجتمعات العربية والمتمثلة أساسا في انطلاق حركاتالتحرر الوطني الاستقلالية من الاستعمار وكذا بوادر التحولات الاجتماعية والسياسية في الوطن العربي... ستنطلق إذن، وبالموازاة لها، حركة ازدهار ونهوض في الدراسات التراثية الشعبية، خلالها وبعدها ستبرز عدةأسماء وفي مختلف الأقطار العربية الناهضة سيكون أبرز اعلامها الأساتذة عبدالعزيز الأهواني، أحمد رشديصالح وعبدالحميد يونس.غير أنه من المؤكد أننا لن نستطيع في مثل هذا الاستعراض العام لتراث العربالمحدثين في حقل دراسة التراث الشعبي العربي. التعامل مع جميع ما راكموه خلال سنوات الخمسينات وماتلاها الى اليوم، بمثل ما تعاملنا به مع مرحلة التأسيس، ذلك لأن الحصاد أمسى وفيرا وعدد الباحثين وكتاباتهمتتجاوز إمكانية الحصر والتوثيق. لذا سنعمد فقط الى اعطاء نظرة أكثر شمولا واختصارا، نبتغي منها الوقوفعند الخطوط الرئيسية التي حكمت تلك الدراسات، مركزين بالأخص على ما يتصل منها بموضوع البحث، وفينفس الوقت سنعمل على تخصيص المغرب والمغرب العربي عموما بوقفة خاصة تلي قراءتنا للساحة العربية.إنالمدخل الأوفق والأيسر للإطلالة على مجهودات الباحثين العرب المعاصرين، في ميدان دراسة الثقافة الشعبيةالعربية، لن يتم بغير الاعتماد على ما أنجز من ببليوغرافيات متخصصة في الموضوع.وفي هذا الصدد، فقد لانحتاج الى التذكير بمدى الفقر والتقصير الذي تعاني منه المكتبة العربية، وبالتالي انعكاسات تلك السلبية علىعموم الثقافة والدراسات العربية. وذلك في خصوص ما يتصل بالمنجزات والتأليف الببليوغرافي. إن هذا القصوريشمل أيضا هذا الحقل من الدراسات الخاص بالثقافة الشعبية.إن أولى المحاولات في هذا الخصوص تعودفقط الى سنة 1963، ومن خلال أول عدد تأسيسي من المجلة العراقية الرائدة "التراث الشعبي" حيث نعثر علىمقالة يتيمة في موضوع ببليوغرافية هذا الحقل من إنجاز الباحث كوركيس عواد بعنوان "الآثار المخطوطةوالمطبوعة في الفلكلور العراقي" وهي كما يتضح من عنوانها مقصورة على مجال ما أنجز من بحوث أوتحقيقات... في القطر العراقي وحده.وبعد حوالي سبع سنوات وفي العدد الأول من نفس المجلة في سنتهاالثانية، نعثر على ببليوغرافيا أخرى، من انجاز الباحث عامر رشيد السامرائي بعنوان "المكتبة الشعبية" وهيحسب تصدير صاحبها لها بمثابة استكمال لما اعتبره ناقصا في مجهود سلفه كوركيس عواد.وفي سنة 1974 وفي نفس المجلة (العدد الثامن) نجد مقالة مشتركة تحت عنوان: "مصادر دراسة الفولكلور العربي: قائمةببليوغرافية" للباحثين: د. محمد الجوهري، ومحمد فتحي ع. الهادي وحشمت قاسم. وتعتبر باكورة أعمال (وحدةبحوث الريف) المتفرعة عن (المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) بالقاهرة خلال سنتي: 1970-1971.إن هذه المقالة - النواة هي نفسها ما سيقع توسيعه وتدقيقه ليصدر لاحقا (1978) وبنفس عنوان المقالة تقريبافي شكل كتاب ببليوغرافي ضخم ( 719 صفحة) ومتخصص في هذا الحقل الفتي في تاريخ البحث العلميالعربي المتخصص. والكتاب يعتبر لذلك، وحتى الآن أهم وأشمل مرجع في بابه وهو، ما سنعتمده بالأساس فيمايلي من عجالة استعراضية.عنوان الكتاب: "مصادر دراسة الفولكلور العربي: قائمة ببليوغرافية مشروحة" إشراف: د. محمد الجوهري ومشاركة نفس المساهمين في المقالة إضافة الى: السيدة أنعام عبدالجواد والآنسةوداد مرقس.هذه القائمة اهتمت فقط بما كتب باللغة العربية تأليفا أو نقل اليها ترجمة. أما المؤلفات أوالمقالات... باللغات الأجنبية، فإنها لم تورد منها شيئا، وذلك تقديرا من المؤلفين بأنها متضمنة في ببليوغرافياتغربية. ثم إنها تورد المكتوب في الحقل بمختلف صيفه: مقالة، تحقيقا، تأليفا أو ترجمة، وسواء أكان منشورا أومخطوطا أو مطبوعا غير منشور فالرسائل الجامعية. أما مصادرها ومراجعها فهي متعددة متنوعة وتحاول أنتكون شاملة لقوائم البحوث والدراسات والتأليف في الوطن العربي جميعه (عشرون مصدرا ببليوغرافيا) وبالنسبةللمغرب فقد اعتمدت مصدرين فقط:1- الببليوغرافيا المغربية لمحمد الصباغ (تطوان 1956).2- فهرس المؤلفينوالعناوين لمحمد أحمد المكناسى.وبعد تسجيل المؤلفين في المقدمة للصعوبات التقنية، المتمثلة خصوصا فيضعف وسائل العمل ومواده الأولية وكذا الموضوعية الممثلة خصوصا في صعوبة التحديد وامتناع امكانيةالتدقيق، ليس وحسب بالنظر لطبيعة الميدان العامة، بل وكذلك لطبيعة التأليف العربية التي يتصف أكثرهابالموسوعية وتعدد الموضوعات. وقد توصلوا في النهاية الى رصد أربعة الاف ومائة وخمسة وسبعين (4175) عنوانا هي حصيلة المجهودات العربية في حقل الدراسات والابداعات الشعبية العربية منذ بداياتها المبكرة والىحدود سنة (1971) وهي السنة التي وقفت عندها هذه القائمة.وإذا كان من ملاحظات تعن حول هذا العملالرائد، فهي بالضبط هذا التعميم لمفهوم "الفولكلور" والذي كان سببه الأساس عدم اطلاع المؤلفين المباشر علىكل ما أوردوه من عناوين، وبالأخص القديمة منها كي يتثبتوا من مدى مطابقتها لمقاييس قائمتهم. وأيضا عدمالتزامهم بما أوردوه في عنوان الببليوغرافيا من أنها "مشروحة". فالشرح فيها قليل جدا، إن لم نقل نادر، وهوالأمر الناتج ضرورة عن الملاحظة السابقة. وقد تخفف من الملاحظتين، الصعوبات المادية الأكيدة، وكون الشرحسيضاعف حتما من حجم التأليف، الأمر الذي سينعكس على امكانية نشره من جهة، وعلى امكانيات تداوله منجهة ثانية. اما اقصاؤهم الكتابات بغير اللغة العربية فقد نتج عنه، فضلا عن الاقصاء المعقول لكتاباتالمستشرقين، إقصاء أيضا لكثير من كتابات الباحثين العرب بالأخص من فلسطين ومنطقة المغرب العربي(الباحثين الجزائريين بوجه أخص).تصنف القائمة مجال ببليوغرافيتها أربعة أصناف رئيسية، وعن كل صنفتتفرع فروع دقيقة التخصص، ويشغل صنف ما أسمته بـ "الأدب الشعبي" أحد تلك الأصناف الى جانب:ب - المعتقدات والمعارف الشعبية ت - العادات والتقاليد الشعبية ث- الثقافة المادية والفنون الشعبية فاذا نحن أضفنابعض فرع الغناء في هذا الصنف الأخير الى صنف الأدب لأنه يتصل به. حصلنا على حوالي ربع المصنف(أكثر من ألف عنوان) هو كل رصيد العرب من الدراسات حول آدابهم الشعبية قديما وحديثا. وهو رقم ليسبالهين، خصوصا اذا نحن احتسبنا ما ينقص الببليوغرافيا أصلا، من عناوين لم يتمكن مؤلفوها من الاطلاععليها.وتأتي الكتابات والكتاب المصريون في طليعة الباحثين العرب من حيث عدد العناوين ولابد أن ذلكسينعكس ضرورة على القيمة النوعية أيضا. وهنا تحضرنا أسماء شتى جليلة القدر في مجال البحث العلمي فيمختلف حقول الأدب الشعبي انطلاقا من موضوع اللهجات (ابراهيم انيس كمثال خاص) الى الدراسات والبحوثالنظرية والتعليمية (أحمد رشدي صالح - ع. العزيز الأهواني -ع. الحميد يونس- فوزي العنتيل - محمود فهميحجازي.. الخ) الى تحقيق النصوص التراثية (وهم كثير وجلهم معروف متداول كاعلام في اختصاصهم) الىالدراسات الميدانية أو النصية (سعيد ع. الفتاح عاشور - فاروق خورشيد - سيد عويس - جمال حمدان - نبيلةابراهيم -..الخ) والى الترجمة ونخص بالذكر فيها مجموعة العمل النشيطة جدا في هذا المجال (محمد الجوهري- علياء شكري - محمود عودة - محمد علي محمد والسيد الحسيني..) وغير أولئك كثير جدا.وفي نفس السياقفلا يجوز بحال عدم الوقوف عند مظهر أخر من أهم مظاهر الاهتمام والعناية بالآداب الشعبية في مصر خاصة،ذلك هو مجال الابداع المنطلق والمستفيد بالاقتباس أو بغيره من التراث الشعبي وخصوصا في مجالي المسرحوالشعر... وتحضر الى الذهن في ذلك أسماء اعلام من أمثال: توفيق الحكيم، يحيى حقي، نعمان عاشورويوسف ادريس والشعراء كـ "بيرم التونسي وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب... وغير ذلك كثيرأيضا".وتأتي العراق في المرتبة الثانية من حيث المساهمة كما ونوعا، وبالأخص عن طريق الدور المتقدم الذيقامت به مجلتهم المتخصصة "التراث الشعبي" بإدارة الباحث لطفي الخوري والشاعر سعدي يوسف ومساهماتباحثين بارزين أمثال: طه باقر، عامر رشيد السامرائي، ع. المجيد العلوجي وجميل كاظم مناف... الخ.أما فيالشام فإن لبنان ثم فلسطين كانتا الأكثر عناية بهذا الميدان، وذلك لأسباب خاصة في الحالتين، فالنزعاتالانعزالية والغلو في البحث عن الخصوصية اللبنانية: التاريخية والثقافية... ستجعل من العناية بالتراث والثقافةالشعبية فضلا عن البحث في الجذور الفينيقية، عما يميز المجموعة اللبنانية عن غيرها من شعوب المنطقة، دافعاومبررا للباحثين والمبدعين، الذين يمكن الاقتصار على ايراد بعض أعلامهم في هذا المجال كأنيس فريحة ومارونعبود وجبور ع. النور ثم الشاعر سعيد عقل.أما في فلسطين فالأمر على نقيض ذلك تماما، حيث تعتبر العنايةبالتراث الشعبي أداة من أهم أدوات المقاومة والصمود بالنسبة لشعب معرض لأخطار التشتيت ومحو الذاكرةالثقافية فضلا عن المحو الجسدي.. ولذلك فقد مثل البحث في ميدان التراث الشعبي الفلسطيني حصنا من أهمحصون الدفاع عن الكيان الوطني وابراز الهوية وتثبيت الحق وترسيخ عوامل الوحدة والصمود ويأتي على رأسالمهتمين والباحثين الفلسطينيين في الموضوع أسماء اعلام كـ: بندلي صليبا الجوزي، توفيق كنعان، نمر سرحان،توفيق زياد وعزي عبدالوهاب.. الخ، وكما هو الحال في مصر والعراق فقد كان ولا يزال لمجلة "التراث والمجتمع" المستمرة الصدور في الأرض المحتلة (البيرة) رغم توالي المنع والمصادرة التي تدوم أحيانا سنتين كاملتين دوربارز في هذا المجال. وقد بدأت تصدر لأعدادها السابقة والحالية طبعات ثانية خارج الأرض المحتلة (الأردن).أما سوريا، فيبدو أن للنزوع القومي المتشدد لحزب البعث الحاكم، تأثيرا سلبيا على بحوث جامعاتها وكتابها فيهذا الحقل. ويبقى أهم الباحثين السوريين الرواد في هذا المجال: د. صلاح الدين المنجد بالأخص فيما يتصلبالتراث الشعبي العربي القديم. وقبله نعمان قسطالي (منذ أواخر القرن الماضي) وعدنان بن ذريل ومجديالعقلي وفؤاد رجائي ونديم الدرويش.أما دول الخليج العربي، فقد أتى اهتمامها بالموضوع متأخرا، غير أنهأيضا جاء كثيفا ومدعوما من قبل الادارة السياسية بصورة استثنائية. وذلك لاحساس مجتمعات هذه الدولبحاجتها الماسة الى تثبيت خصوصياتها وما يسمح بتميزها بكل ما يتصل بتقاليدها ومأثوراتها الشعبية وفيجميع المجالات، وتنظم لذلك الندوات والمؤتمرات "الدولية" والمجلات والرسائل الجامعية... الخ. تكمن وراء كل ذلكسياسة معتمدة وممولة من قبل حكومات وجامعات تلك الدول، وفضلا عن مجلاتهم المتخصصة في الموضوع فتبرزبعض الأسماء يأتي من أهمها أحمد أمين المدني ود. محمد عبدالله المطوع (الامارات) د. محمد سليمان الحداد(الكويت). د. جهينة سلطان العيسى (قطر)... الخ.وتعتبر المملكة العربية السعودية أقل عناية بالمقارنة الى بقيةدول الخليج بهذا المجال، وذلك غالبا لقلة حاجتها الى هذا الجانب في تأكيد مظاهر السيادة والاستقلالخصوصا وهي تعتمد لتحقيق ذلك خطابها وزعامتها الاسلامية، ويعتبر من أوائل باحثيها المختصين في هذاالمجال الاستاذ عبدالكريم الجهيمان، عبدالله بن خميس - طارق عبدالحكيم محمد بن أحمد العقيلي.أماالسودان فأبرز الباحثين في تراثها الشعبي حتى الآن هو د. عبدالله الطيب وكذلك الباحث المصري شبهالمستوطن د. عبد المجيد عابدين وهو يعتبر من أهم الباحثين العرب الذي تتميز دراساته في هذا الحقل بدقة عاليةوبشمولية لولا أنه مقل. ولأرتيريا باحث مختص هو ع. الباري ع. الرزاق النجم.لنقف إذن. وبعد هذاالاستعراض السريع للملامح العامة لمعطيات الموضوع عند أهم خلاصاتنا منه:1-1- نتيجة لاختلاف، وحتىتباين الشروط العامة الجغرافية - الاجتماعية والثقافية - السياسية لكل قطر أو مجموعة أقطار عربية عنالأخريات نلاحظ مدى الاختلاف والتباين أيضا بين منطلقات وأهداف البحث والباحثين منها في موضوعثقافاتها وتراثها الشعبي. ومن المؤكد أننا نستطيع أن نلاحظ ذلك أيضا بالنسبة لكل قطر على حدة. كما نستطيعفوق ذلك أن نلاحظ التباين في الدوافع والأهداف بالنسبة للقطر الواحد في أزمنة تاريخية مختلفة من سيرتهالثقافية - السياسية. غير أن هذا سيخرج بنا عن الغرض من هذه الفذلكة. لذا سنقتصر على الملامح العامةلخصائص تلك العلاقة، بغض النظر عن الجغرافيا وعن التاريخ.أ - تكاد جميع الأقطار والشعوب العربية وبلااستثناء، تكون قد مرت، أو هي تمر الآن، بلحظات تاريخية ينزع فيها المجتمع، أو فئات منه، وكذا الدولة أحيانا،نزوعات انعزالية قطرية يقع خلالها التأكيد على البحث، في التاريخ وفي الثقافة، عما يعزز ويعطي للاستقلالالسياسي لكيان المجتمع والدولة مشروعية ثقافية وتاريخية. وحيث لا يسعفهم الى ذلك تاريخهم العربي المشترك،فهم يلتجئون الى إحدى الوجهتين.1- تاريخ الحضارات ما قبل الاسلامية كالفرعونية بالنسبة لمصر والعاشوريةفي العراق والفينيقية في الشام والقرطاجية في تونس.2- وعندما يقع الافتقار الى هذه "المشروعية التاريخية" أو تدعو الضرورات السياسية الى تجاهلها أو تهميشها كما هو حال المغرب والخليج العربيين في الحالة الأولىأو مصر الناصرية والعراق وسوريا البعثيين. فعندئذ يقع الارتداد والتركيز على الخصوصيات التي يتضمنها مايسمى بالتراث الشعبي، المطبوع عادة بطابع التميز والذاتية... اللذين تفرضهما الجغرافيا من جهة والعواملالتاريخية الخاصة من جهة أخرى.وحتى ذلك، فليس في الأمر جديد بالنسبة لتجارب بقية الشعوب، وبالأخصمنها السابقة علينا الى العصر الحديث. فأوروبا أيضا سترجع بنفس العناية والاهتمام الى ما قبل تاريخهاالمسيحي لتستقي من تراثها اليوناني -الروماني حاجاتها للانطلاق والنهوض. ثم في مرحلة لاحقة، ومعبداياتتأسيس القوميات والدول الوطنية الحديثة، سترتد كذلك نحو تراث شعوبها اللغوي والثقافي، تستمد منه مقوماتوعناصر إعادة وحدة كياناتها على أسس موضوعية جغرافية وشعبية، تمثل بالنسبة لها ميثاق الوحدة الوطنيةالجديد: الثقافي والسياسي لبناء الدولة الحديثة.إن الطبقة الوسطى العربية ونخبتها الثقافية والسياسية،ستعمد هي أيضا الى نفس الصنيع، حسب شروط كل منها على حدة. فهي في مرحلة حاولت استرجاع ذاكرتهاالأعمق، وذلك بالرجوع الى التاريخ الحضاري لأقطارها، لأبعد من اللحظة العربية الاسلامية ذلك كان فعلالمثقفين بمصر والعراق والشام وتونس خصوصا والذي تجلى في انبعاث نزعات فرعونية وأشورية وفينيقيةوقرطاجية، تمظهرت من خلال جملة كتابات وبحوث وابداعات، وبالتالي من خلال رموز ثقافية وسياسية مشهورةنذكر من بين أهمها مفكرين وأدباء أمثال: طه حسين، لويس عوض، نجيب محفوظ... ودريني خشبة، يوسف كمالالحاج وسعيد عقل... والحبيب بورقيبة.. الخ غير أنها جميعا انتهت كأطروحات وان لم يكن كأشخاص، الى شبهاندثار وانهزام ثقافي.وفي لحظة لاحقة سيقع البحث، وانطلاقا من نفس الدوافع واستهدافا لنفس الغايات،التماس الخصوصية الوطنية والتميز القطري والشعبي، عن طريق التنقيب في الذاكرة والممارسات الثقافيةالشعبية، فتزدهر لذلك العناية بتجميع المأثورات، واصدار المنشورات وتأسيس المجلات ومراكز البحث الجامعيةوالبحوث الطلابية الى الخارج... وتأثير كل ذلك أيضا على مستوى الابداعات الفنية والأدبية في الأغنية والمسرحوالقصة وفنون الشكل والحركة والسينما.1- 2- لقد كانت المعضلة الفعلية أمام الطبقات الوسطى العربيةومثقفيها في هذا الصدد هي التباس علاقات أبحاثها وأهدافها منها، بالمحاولات السابقة للاستشراق الغربيلاقتحام نفس الحقول والبحث في نفس التراث الثقافي قبل الاسلامي والتراث الشعبي، وطبعا فقد كان ذلكلأهداف لا وطنية ولا شعبية، بل لأجل تخريب الذاكرة العربية الاسلامية وعزلها قطريا عن امتداداتها القطريةالثقافية والسياسية القومية والدينية، ومحاولة طمس الذاكرة الأقرب و الأبعث على المقاومة والصمود والجهاد الاوهي الذاكرة العربية الاسلامية.لم يهتم الباحثون العرب، في مثل هذه الميادين عموما، بحل هذه الاشكاليةوتجاوزها على مستوى التمييز في المناهج والأهداف اعتقادا منهم في الغالب، أن نواياهم الوطنية وحدها تكفيلازالة الالتباس، اضافة الى معرفتهم المسبقة بجهل مواطنيهم لأبحاث المستشرقين المكتوبة عادة بلغات أجنبية،مضافا لذلك تغير الشروط والظروف التاريخية وبالتالي تغير وظيفة الأبحاث تلك خلال مرحلتهم عن المراحلالاستعمارية السابقة.والحق، أن الطبقات الوسطى العربية، لم تكن سوى امتداد لشقيقاتها أو ربيباتهاالأوروبية، وهي لذلك تشترك معها في جملة قواسم مشتركة اجتماعية، ثقافية، فكرية لا تسمح لها بالانعتاق عنالتبعية لها فكرا وممارسة، ولم يكن خروج الاستعمار الرسمي سياسيا ليعكس خروج قيمه ومناهج تفكيرهواستراتيجيته الثقافية إن في المدرسة والجامعة أو في الاعلام وما يسمى بالثقافة الجماهيرية وأجهزتها. وأكثرنخب هذه الطبقة، استقت من معينه وقرأت في مدارسه، سواء في أوطانها أو عن طريق الرحلة نحو الجامعاتالأوروبية... فلم يكن من المنتظر لذلك، وكمر حلة انتقالية تكاد تكون حتمية، أن يتحرر المثقفون العرب المحدثونمن إرث المدرسة والثقافة الغربية الاستشراقية. وبالرغم من نواياهم الوطنية غالبا، فإن جلهم انساق، وبدوافع شبهأكاديمية وشبه تقنية تتوهم إمكان وجود علم محض محايد وبعيد عن كل أهداف أو مقاصد ايديولوجية. فاستمرواعموما في نهج في نفس سبل الاستشراق متوسلين بنفس طرائقه غالبا، مع بعض محاولات الاجتهاد في التعديلوالتوظيف.1- 3- ومع بدايات الخمسينات، ومع الانبعاث المتجدد والشامل للفكر العربي والروح القوميةخصوصا مع الثورة الناصرية بمصر وحركات التحرير في المغرب.. ثم القضية الفلسطينية... الخ سيبدأ نوع منالتغيير في المجرى الثقافي العربي في اتجاه تجديد الاهتمام والعناية بالتراث العربي الاسلامي، وانحسارالنزعات الثقافية القطرية الانعزالية كالفرعونية وغيرها وتوجيه البحوث والدراسات في موضوع التراث الشعبي،في مناخ تخدم الاستراتيجية الجديدة، بما يعني البحث عن المشترك الثقافي الشعبي بديلا عن التركيز علىالخصوصيات القطرية فيه وربما يكون من أبرز اعلام هذا المنحى: د. أحمد رشدي صالح رع. العزيز الأهواني..1- 4- واليوم، وباستثناء حالة المغرب العربي التي سنقف عندها لاحقا، نلاحظ أن الجديد في هذا الميدان يحملمفارقة صارخة. إن أكثر الأقطار العربية عناية واهتماما بالثقافة الشعبية في لحظتنا الحالية هي من جهة أقطارالخليج العربي باستثنا0السعودية وفلسطين المحتلة من جهة أخرى.في الأولى نلاحظ عناية فائقة وتركيزااستثنائيا على المأثورات الشعبية، يتمثل في سيل من المنشورات والرسائل الجامعية والندوات الدولية والمتاحف... وتعتبر أبرز نماذج ذلك مجلة المأثورات الشعبية الصادرة بالدوحة في قطر منذ 1985 بشكل منتظم حتى الآن. همها الاستراتيجي اثبات المشروعية، اعتمادا على خصوصيات شعوبها الثقافية في العادات والتقاليد والمأكلوالملبس والصنائع والاحتفالات والأمثال واللهجة.. الخ."الثقافة الشعبية " هنا تستعمل كمفهوم وكمود لتزكيةوضعية سياسية بالاساس.على النقيض من ذلك سنلاحظ كيف أن الشعب الفلسطيني، وخصوصا في الأرضالمحتلة، وفي الطليعة منه مثقفوه، سيولي هو أيضا لتراثه الشعبي بمختلف مظاهره وتجلياته، عناية تكاد تفوقعناية دول الخليج، وانما في اتجاه مختلف تماما.فأمام الارادة السياسية للكيان الصهيوني الاستعماريوالاستيطاني للأرض، والعامل على طرد واجلاء سكانها منها، والذي يخطط بشكل جهنمي لفصل السكان عنأرضهم وتراثهم وذاكرتهم بل ومحاولته الدؤوبة لسرقة ذلك التراث وتبنيه وبذل الجهد لتوظيفه في مصلحةأطروحاتهم العنصرية وأهدافهم الاستيطانية.. الخ سيحس الشعب الفلسطيني أن من أولى مهامه وأوكدها هوالعمل على حفظ ذلك التراث وإنقاذه من الأخطار المحدقة به، وإعادة توظيفه. لتأكيد الهوية المهددة وضمانتوريثه الى الأجيال الشابة الصاعدة."الثقافة الشعبية" هنا، وعلى نقيضها هنالك، تعتبر عنصر مقاومة وكفاحلتثبيت الهوية وترسيخ الوجود وابراز الكيان الوطني المستقل، ولكن في غير انفصال عن بعده أو أبعاده العربيةالاسلامية، المناهض أخطار الاجتثاث الثقافي - الفكري والعاطفي مقدمة للاجتثاث الوجودي نفسه على الأرض.وكما في الخليج العربي، فإن للشعب الفلسطيني اداته المتقدمة في هذا المجال، مجلة تصدرها بتعثر (نتيجةالمصادرات والمنع) ومنذ 1974. لجنة الأبحاث الاجتماعية والتراث الشعبي في إطار جمعية (انعاش الأسرة) بمدينة البيرة. وذلك تحت اسم "التراث والمجتمع" وتصدر عنها طبعة ثانية في المنفى بالأردن. وقد تمكنت بالفعلمن خلال اعدادها كما من خلال منشوراتها الموازية ومعارضها ومتاحفها.. الخ أن تعيد الحياة وتجدد وظيفةالعديد من عناصر التراث الشعبي العربي الفلسطيني والذي كاد ينمحي أمام المخططات الجهنمية للاحتلال لولاسابق محافظة الشعب الفلسطيني عليه بكل الوسائل المتوافرة في ذاكرته ووعيه وبين يديه.2- رغم كل المجهوداتالمحترمة والتي انجزها الباحثون العرب المحدثون فيما يتصل بما يعتبرونه ثقافات شعوبهم فانها مع ذلك لم تبلغبعد شأو ما أنجزه أساتذتهم في الميدان من الباحثين الأوروبيين حول تلك الثقافة بالذات. سواء من حيث الكمالوفير الذي جمعوه كنصوص أو كمواد وتسجيلات.. أو من حيث الكيف المتصل بدقة مناهج التحقيق والتصنيفوشمولية التحليل وسعة الاطلاع... وربما يعود هذا، في جزء منه، الى حداثة عهد الباحثين العرب بهذا النمط منالدراسات مقارنة الى سابق عهد الغرب بها. وكذلك الى دور المؤسسات العلمية ومؤسسات التمويل والادارةالغربية الاستعمارية والتي كانت تقف بكل ثقلها المادي الاداري والتمويلي، وراء تلك البحوث، على خلاف الأحوالبالنسبة لعموم الادارات السياسية والعلمية العربية، والتي وقفت على العكس مواقف التشكيك والحيطة، أو بالأقلالحياد (باستثناء دول الخليج) تجاه هذا النوع من الدراسات. مضافا الى كل ذلك الموقف المتحفظ بشكل عامللمجتمع، وللمثقفين العرب، باتجاهيه الرئيسيين: السلفي والحداثي. والذي كان وما يزال يميل عموما إما الىتبني التراث العربي الاسلامي المكتوب دون غيره منطلقا للتفكير والعمل أو بالعكس الى تجاوز كل ذلك نحو تبنيمنجزات الغرب وأطروحاته ونمط تفكيره ومعاشا حسب آخر ما وصلت اليه متجاوزين بذلك شروط بداياته ولحظاتهالتأسيسية.3- بمراجعة ولو سريعة، للائحة الباحثين العرب في موضوع الثقافة الشعبية، يتبين كيف أن أكثرهملم تكن له بالموضوع علاقة اختصاص علمي جامعي، بل غالبا ما تم ذلك على سبيل الهواية أولا قبل أن يتوغلوافي ممارسة البحث أو غيره (تحقيق ترجمة تأليف تعليمية...) ويضحوا اثر ذلك كالمختصين. ومن جهتها فإنالجامعات العربية وباستثناء مصر والجزائر، لم تبادر الى تأسيس فروع أو أقسام متخصصة في الموضوع،وأحري أن تؤسس مراكز أو لجانا أو حلقات للبحث العلمي والجماعي المنظم. وأكثر الباحثين الجامعيين العربالمختصين، تحولوا نحو هذا الاختصاص من اختصاصات أخرى سابقة أدبية أو فلسفية. لذلك كان حظالجامعات العلمية العربية في الدراسات الثقافية الشعبية ضئيلا نسبيا بالمقارنة الى دور الكتابة الصحفية أوالأدبية والتأليف الصادر عن المبادرات الفردية خارج مدرجات الجامعة.4- بالمقابل فإن أهم أدوات العربالمحدثين في الاشتغال والاهتمام بهذا المجال ستمثله بلا منازع مؤسسة الاعلام وفي المقدمة منه المجلاتالشهرية العامة أو الفصلية المختصة. و لا شك أن مصر كانت المبادرة الأولى الى ذلك ومثلت مجلتها الشهرية"الفنون الشعبية" الصادرة منذ 1969 برئاسة تحرير د. ع. الحميد يونس ثم د. أحمد علي مرسي. لبنةالتأسيس الأول والرائدة في هذا الصدد. وقد قامت بأدوار فعالة جدا وعلى جميع المستويات المتصلة بموضوعها: تعريفا وترجمة ودراسات ميدانية ونشرا لنصوص أو تصوير المواد... تتصل بالثقافة الشعبية عموما والمصرية علىوجه الخصوص. وقد انقطع صدورها الشهري لفترة قبل أن تعيد صدورها مجددا في دورة فصلية.وفي الدرجةالثانية من الأهمية وأيضا من الناحية التاريخية تأتي المجلة العراقية "التراث الشعبي" الصادرة منذ 1969 تحتاشراف مؤسسها الرئيس لطفي الخوري وبمعية جملة من المحررين الباحثين. وهذه أكثر من السابقة تميزتبانتظام صدورها الشهري من جهة وانشغالها بعموم الساحات الثقافية الشعبية العربية وكدها في توفير عدد منالنصوص والمواد الثقافية الشعبية مع نوع من التوجه الهروبي الواضح للعيان من حيث بحثها عن المشتركالشعبي العربي وليس ما يؤكد على الخصوصيات المحلية القطرية.وفي الأردن صدرت أيضا ولنفس الغرضمجلة "الفنون الشعبية الأردنية" سنة 1975. وقد سبق أن تحدثنا عن المجلة الفلسطينية "التراث والمجتمع" الصادرة منذ 1974 الى اليوم بالأرض المحتلة تحت اشراف لجنة مختصة على رأسها الأستاذة المجاهدةسميحة سلامة خليل.وفي دول الخليج، هنالك محاولات متعددة غير أنها متعثرة أكثرها استمرارية ومر دوديةمجلة "المأثورات الشعبية" الصادرة سنة 1985 بالدوحة تحت اشراف ع. الرحمن المناعي وهي أيضا مفتوحةأولا على دول الخليج وثانيا على عموم الكتاب والموضوعات الثقافية الشعبية العربية.وفي اطار المغرب العربي،فلا شك أن تونس كانت الأكثر ريادة في هذا المجال باصدارها ومنذ 1965 مجلة "الفنون الشعبية" ثم المغرببمجلته المتوقفة "فنون" والتي لم تكن مختصة بحال وإنما كانت تقف بين الفينة والأخرى عند موضوعات وقضاياتتصل بالثقافة الشعبية المغربية. أما ليبيا فلها منذ 1980 مجلة مختصة تحت اسم "تراث الشعب" تحمل لهاكشعار دال "شعب عربي واحد وتراثه واحد" ولذلك فهي مثل شقيقتها العراقية تهتم باستكتاب عموم الكتابالعرب المختصين وغيرهم، مستهدفة اظهار عناصر الوحدة لا الخصوصية في ثقافات الشعوب العربية.وفي غيرذلك، فقد اهتمت عموم الصحافة الأدبية العربية بالموضوع، سواء من خلال اعدادها العادية أو المتمحورة حولمحور ما من محاور الثقافة الشعبية، وأهمها في هذا الصدد من حيث العناية تأتي المجلة الفصلية الكويتية"عالم الفكر" و "البحث العلمي" المغربية ومجلة "أمال" الجزائرية.. الخ.5- وبالنسبة للتأليف المتخصص أو شبهالمتخصص، نستطيع أن نلاحظ على الببليوغرافيا العربية في هذا المجال غلبة الطابع المدرسي التعليمي من جهةوالترجمة عن الانجليزية خصوصا وأحيانا عن بعض لفات أوروبا الشرقية من جهة أخرى، وفي سياق نفسالملاحظة نستطيع التأكيد كذلك على أن أكثر التأليف التعليمية نفسها هي بمعنى ما كانت نوعا من الترجمةبتصرف. وهو أمر عادي بالنسبة لثقافة حديثة الصلة بهذه المواضيع، اضافة الى ضعف التأطير وفقر التمويلالمؤسسي واقتصار المجهودات على المبادرات والتضحيات الفردية غالبا.ويبقى مجال الدراسات الميدانية وتجميعالنصوص والوثائق والمواد وتحقيقها وتصنيفها ودراستها وكذلك التأليف المعجمي في اللفات الدارجة ومصطلحاتومفاهيم الثقافات الشعبية المتداولة..الخ ضعيفا جدا، وأحيانا منعدما تماما بالنسبة للعديد من الأقطار العربية.6- لقد تمت عناية العرب المحدثين بمواد شعوبهم على سبيل الممارسة الابداعية الأدبية والفنية، أكثر وأهم منهمعلى صعيد الممارسات العلمية: النظرية والميدانية فاذا نحن تجاوزنا مؤقتا ما هو بارز للعيان والأسماع علىصعيد الفناء العربي والذي أنجز فيا الكثير والثري جدا في مجموع الأقطار العربية وبالأخص منها لبنان ومصروالعراق والمغرب... حيث مثل الرجل المعاصر الامتداد الخلاق والبارع للتراث الشعبي العربي في هذا الميدانوعلى يد فطاحل الرجل العربي من أمثال سعيد عقل والأخوان رحباني وبيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم وصلاحجاهين وأحمد الطيب العلج وعلي الحداني...الخ وهو ما سنقف عنده في أخر هذا البحث فإننا نجد أن بقية فنونالقول والشكل والحركة والتمثيل لم تقصر من جهتها عن الامداد والعطاء على هذا المستوى. ولا شك أن الريادةفي هذا المجال سيعظها المسرح، خصوصا بمصر والشام والمغرب.فأمام أزمة النصوص من جهة، وأزمةالتواصل من جهة أخرى وأزمة البحث عن الخصوصية والتميز عن المسرح الأوروبي من جهة ثالثة... فسيهتمالمسرحيون العرب، وانطلاقا من مبادرات توفيق الحكيم ويوسف ادريس وعلي الراعي ونعمان عاشور... علىالأقل، ان لم نقل منذ البدايات الأولى للمسرح العربي على يد النقاش وقباني.. وصولا الى الطيب الصديقي وع. الكريم برشيد في المغرب اليوم. يمكننا بسهولة أن نلاحظ ذلك الوكد العنيد في البحث عن الاتصال بأدنى وأبسطجذور الظواهر المسرحية في التراث الشعبي العربي. من نصوص "ألف ليلة وليلة" وسير أبطال الأساطيرالشعبية العربية (عنترة وسيف وذات الهمة....) والمقامات... الخ الى أشكال التعبير المسرحي العربية القديمةوابرزها خيال الظل وجلسات السمر وفن البساط والحلقة... ومختلف المظاهر الاحتفالية الشعبية سواء أعانتدينية لدى الطوائف أو اجتماعية فنية متصلة بمناسبات الأفراح أو الأحزان والمأتم... الخ.وفي الدرجة الثانية (أوالثالثة باعتبار الموسيقى والغناء) تأتي الفنون التشكيلية العربية الحديثة والمعاصرة. فانطلاقا تقريبا من نفسالحساسيات والدوافع التي وقع التنويه بها سابقا بالنسبة للظاهرة المسرحية العربية. سيبدأ اهتمام الفنانالتشكيلي العربي بخصوصيات الخط والتلوين والظل والأشكال... الشعبية العربية المبثوثة والموزعة على مختلفالأشياء المادية في المحيط الشعبي العربي من اللباس والحلي الى المعمار في المساجد والمساكن والى التأثيثالمنزلي...الخ استرجعوها جميعا وحاولوا الاستمداد منها رؤية فنية تضفي خصوصية وتميزا على اللوحة العربية: حسن سليمان - محمد المليحي - محمد شبعة - فريد بلكاهية..ولا يجوز في هذا الاطار أن يفوتنا التنبيه الىالدور المؤثر في هذا المنحى والذي قام به عموم الفنانين الطلائعيين الغربيين، وكذلك بعض الباحثين المستشرقينالمختصين في الفنون التشكيلية.. على انتحاء الفنان التشكيلي العربي هذا المنحى.. لقد كان عموم الاتجاهالتجريدي الغربي في فنون الشكل يعبر عن أزمة اللوحة وأزمة الرؤية لدى المجتمعات الأوروبية حول تشكيلالعالم بصريا. الأمر الذي حدا بطلائعهم الى محاولة تجاوز الأزمة بالرجوع الى التراث الشعبي الآسيويوالافريقي بخاصة يستمدون منه ما به ينقذون فقر الموضوعات واختناق أشكال التعبير لديهم. وهو ما نبه منجهته التشكيلي العربي الى أنه الأولى باقتحام نفس السبيل واختراق نفس الحدود، وقد فعل. وهذا فضلا بالطبععن الدور المركزي للمستهلك الأوروبي للوحة العربية. والذي وجه من جهته عناية الفنانين التشكيليين العرب الىتراثهم الشعبي، ما دام السوق يطلب ذلك ويلح عليه ويكاد يرفض غيره.وتعتبر السينما العربية اليوم أكثر الفنوناستفادة واعتمادا على مصادر التراث الشعبي العربي، ويصح أن نسجل أنها ومنذ بداياتها الأولى وعلى يدمؤسسيها الأوائل من الأجانب غالبا، اهتمت بمختلف مظاهر التعبيرات الثقافية الشعبية وذلك قبل أن يبرز فيالميدان كتاب حوارات وسيناريو هات ومخرجون شغلهم هذا الهم وانكبوا على البحث والتنقيب والاجتهاد فيهأمثال نجيب سرور والأخوان رحباني وصلاح أبوسيف وشادي عبدالسلام... الخ أما المغرب خصوصا فيمكنالحكم بدون تردد أن الطابع العام للانتاج السينمائي الجاد استغرقه هذا المنحى، لدرجة أمسى معها فولكلورياتماما وبالمعنى السلبي للمصطلح. نفس الأمر تقريبا بالنسبة للسينما التونسية كذلك.أما القصيدة العربيةالحديثة بالفصحى، فبرغم ثقل ذاكرتها من التراث الشعري العربي الضخم، فقد حاولت من جانبها، وذلك منذبرز أقطابها المؤسسون أمثال أحمد شوقي وعلي أحمد باكثير... الاستقاء من معين التراث الشعبي العربي لغةوموضوعات وأشكال تعبير تراوحت بين الاستعارة الجزئية لدى السياب ونجيب سرور وأمل دنقل... مثلا الىحالات التطرف التي نجدها في اشعار أمثال سعيد عقل في لبنان خصوصا. وفي المغرب كذلك يمكننا ملاحظةنفس المنحى في أكثر تجارب الشعراء الشباب وبالذات في بواكير انتاجهم كمحمد بنيس وأحمد بلبداوي وأحمدالمسيح.ولا تكاد تخلو بقية أشكال التعبير الفني الأخرى القولية والحركية مثل الرقص... من آثار الاستمدادوالاستقاء سواء من ذلك فنون القصة والرواية عند أمثال يوسف ادريس ونجيب محفوظ والطيب صالح واميلحبيبي ومبارك ربيع.. أو في الخطابة والأدب الصحفي واللباس وفنون المعمار والتزيين (الديكور) والتأثيث.. الخ.. مما لا يسمح المجال بالوقوف عنده تفصيلا.7- يطغى على مجهودات الجمع والتنقيب والتأليف والترجمة... فيميدان التراث الشعبي العربي، طابع المجهودات والاجتهادات الفردية والمبادرات الشخصية والحال أن هذاالميدان، وربما أكثر من غيره يحتاج بطبيعته الى العمل الجماعي والمنظم من جهة وال مصادر تمويل وتأطيرإداري لا تستطيعها غير المؤسسات العلمية المرتبطة بالدولة في الأمصار العربية من جهة أخرى. وهو الوضعالذي يكاد ينعدم في أكثرها. واذا هو توافر كما هو الحال في مصر وفلسطين والجزائر، فإن ذلك يتسم بالكثيرمن مظاهر الفقر في التمويل والضعف في التأطير ووسائل العمل التقنية المعاصرة. وذلك باستثناء حالة بعضدول الخليج.وحيث إن الأمر كذلك على الصعيد العربي عموما، فسيترتب عليه حتما ما نلاحظه من قصور مخلعلى مستوى التنسيق والتعاون وتبادل الخبرات والخلاصات بين مختلف الباحثين العرب المختصين. فباستثناء مايسمح به الصدور المنتظم أو المتعثر غالبا لبعض المجلات العربية المختصة في الموضوع، فإننا نادرا ما نسمع عنمؤتمرات عربية أو ندوات جهوية أو جمعيات ولجان ومراكز بحث على الصعيد العربي تهتم بشكل منظم ودوريبموضوع الثقافة الشعبية العربية.8- تعتبر ظاهرة السياحة المعاصرة، والتي أضحت تمثل مجالا للاستثمارمتزايد الأهمية. من أخطر وسائل التأثير الثقافي المعاصرة، وبالأخص على مستوى العلاقات بين الثقافة الغربيةوثقافة، الشعوب الضعيفة والمستعمرة سابقا. وهو تأثير مزدوج القيمة والمرد ودية. فهي في الوقت الذي تنبه فيهتلك الشعوب ودولها ورأسمالييها بصورة خاصة الى الأهمية المالية أولا وقبل المعنوية لثقافاتها وعاداتهاوخصائص شعوبها، بما يحرضها ويدفعها الى العناية بها والمحافظة عليها مادامت تعتبر عاملا أساسيا فياستجلاب العملة الصعبة من حيث هي تستجلب السائح الغربي الباحث عن القراءة والخصوصية وما هو غريبعن عاداته وعجيب في منظوره... فانها أيضا وبصورة أخطر تلعب دورا سلبيا مشوها وهداما لتلك الثقافةبالذات، وذلك بسبب من تأثير العين والأذن الغربية على تكييف تلك الثقافة واعادة انتاجها بما يرضي رغباتالسائح الغربي وتطلعه الى رؤية متحف بشري حي يرى من خلاله ماضي الشعوب ومظاهر تخلف وانحطاط ذلكالماضي، أي عمليا بما يرضي نزوعه العنصري وانانيته النرجسية واحساسه بالتفوق والعظمة الكاذبة والغرورالزائف وغير الموضوعي بحال.عن طريق السائح،وبوساطة السياحة، يحتفظ اليوم العديد من الشعوب العربيةخصوصا بالشام ومصر والمغرب وتونس على تراثها الشعبي وبالأخص منه التشكيلي والحركي والايقاعي. غيرأن ذلك يحدث مع أداء ذعيرة قاسية ان لم نقل قاتلة أيضا. فمن حيث هم يعيدون انتاجه فإنهم لا يراعون سوىالعلاقات الصورية بين الأصل والمستنسخ منه، أما الوظيفة الأصلية والواقعية فيقع إلغاؤها بشكل تام وبالتاليإعدام الطبيعة الجوهرية للمعطى الثقافي الشعبي. إن السقاء مثلا يستحيل محض زينة (ديكور) في صورةيلتقطها له السائح بجانب أطفاله. أما السجاد فلم يعد بالامكان التمييز بين أصيله وأثيله حقا وبين العديد منالمزيفات المصطنعات ونفس الأمر بالنسبة لايقاعات وموسيقى بعض الطوائف الزنجية المغربية فالهجهوج مثلاأضحى يوظف لأداء نغمات يأخذ السائح طعام عشائه على سماعها... وشتان بين ذلك وبين وظيفته الأصلية... الخ. إنها عملية شاملة وممنهجة، ويكاد يشترك فيها الجميع، تستهدف بوعي أو بعفوية تشويه ذلك التراث،وتحريف وظائفه، وإعادة صياغته، لا بما يرضي حاجيات المواطنين في حاضرهم بقدر ما يقصد منه إرضاءحاجيات عطلة وراحة السائح الغربي وأحط نوزاعه الثقافية بل وغرائزه الحيوانية أحيانا كما يمكن ملاحظة ذلكبالنسبة للرقص عموما، وما يعرف بالرقص الشرقي خصوصا.9- في مواجهة هذا النمط الجديد من الغزوالثقافي المنظم والشامل، والذي يستهدف، عن قصد أو عن غيره، نفس أهداف محو وتفكيك الخصوصيات الثقافةالوطنية والشعبية، وان بوسائل أخرى أكثر دهاء وفعالية... لا تقف الشعوب العربية مستسلمة ودون مقاومة بلهي على النقيض من ذلك تجتهد عفويا أو بوعي وقصدية عن طريق بعض مثقفيها أو دولها للمحافظة على تراثهاوالاعادة الدورية لانتاجه بما يسمح باستمراره حيا وظيفيا وخلاقا. إن الكثير من الفنانين التشكيليين والمهندسينالمعماريين والموسيقيين والأدباء والباحثين من مختلف الأصناف من العرب المحدثين اليوم يعملون جاهدين علىإنقاذ ذلك التراث بإدماج تقنيات الغرب المعاصرة بمضامينه وأشكاله الفنية الموروثة. ومن جهتهم فإن الأهاليأيضا، وسواء عن طريق الأسر الحديثة في المدينة، أو عائلات وعشائر البادية خصوصا، قد بدأوا يسترجعونذاكرتهم الخاصة ويجددون المحافظة على موروث أجدادهم. وكما لاحظ ذلك مرة الكاتب الطاهر بن جلون فيمقال أدبي استطلاعي عن جامعة الفنا باعتبارها أكبر ساحة عالمية لانتاج واعادة انتاج معطيات الثقافةالشعبية، فقد سجل انسحاب جمهورها الحقيقي منها وتركها ساحة مصطنعة لترضية السائح الأجنبي وجيوبالمستثمر المغربي، وبحثوا لهم عن ساحة أخرى بـ "باب اغمات" وبسيدي يوسف بن علي ليمارسوا فيها بأصالةوحميمية وصدق... فرجاتهم وتعبيراتهم الثقافية الخاصة والمستجيبة لحاجياتهم الاجتماعية - الثقافية الحقيقية. ساحة تقوم بوظيفتها التاريخية الأصلية والاصيلة لتحقيق هدف الاندماج والتلاقح والتعبير الثقافي لمختلف فئاتوطبقات الشعب: البادية والمدينة، الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، المثقفون والعوام.. ومختلف الشرائح المهنيةوالحرفية. جامعة شعبية تتكامل في التفاعل مع دور المسجد وعلاقات الجيرة في الحي السكني والأسرة لتأكيدميثاق الوحدة وتأكيد الهوية وابراز الشخصية الحرة والمستقلة.10 - إن الطابع الرئيسي للوضع التاريخيالعربي الحديث والمعاصر، مازالت تحكمه تناقضات بناء الدولة الوطنية. أو القومية العصرية المستقلة الموحدةوذات السيادة على الحاضر والمصير. ولأن الأمر يحدث حتى الآن بقيادة طبقاتها الوسطى الحديثة النشأةوالتجربة والمقتدية في ذلك بنماذج الماضي الغربي الحديث وخصوصا منه الأوروبي. فليس من المنتظر لذلك أنتنهض للاهتمام بهذا الحقل المليء من منظورها بالألف. والمحاذير، رغم اضطرارها اليه، ويا للمفارقة ! لبعضالحاجيات الطارئة والظرفية بالنسبة لبعضها، الدائمة لبعضها الآخر. إن بناء أو إعادة بناء الدولة، وما يقتضيهذلك من شروط الوحدة المجتمعية والادماج الثقافي الشامل، في مواجهة أخطار التفتيت والتمزيق الموضوعية أوالمصطنعة.. كل ذلك يفرض عليها أكثر من دواعي النقيض، الاهتمام أكثر بما يوحد ويدعم مقومات المشتركوالعام بديلا وعلى حساب عناصر الاختلاف والخصوصيات الاثنية، الجهوية والقبلية.. أي عمليا نفس الحقل الذييفتني بها وتغتني منه عناصر ومقومات ما يسمى بالثقافة الشعبية.إن مقومات المشترك الثقافي العربي، هياليوم وفي منظور وآفاق الطبقات السائدة العربية، هو بالأساس الذاكرة الاسلامية وركيزتها القرآن الكريم واللغة العربية الفصحى، التي تحفظه ويحفظها من أخطار الاجتثاث والضياع. وقد تجاوز اليوم هذا الهم، انشغالات الدول والحكومات العربية، ليصبح مجددا انشغالا شعبيا عاما وعارما ومن ثم نلاحظ هذا الانبعاث للحذروالحيطة تجاه كل ما هو ثقافي شعبي قد يفسد العقيدة أو يفسد الشريعة أو يفسد اللغة، يطو أحيانا ليبلغ درجة الحرب العلنية أو الضمنية، لكل ما قد يتوهم إمكان تسرب أي تهديد منه للكيان الوطني الهش أصلا والضعيف التماسك. بالتالي لكل قول أو فعل ثقافي شعبي يمكن أن يستعمل ذريعة أو قناة لتوليد وتمرير دعوات سياسيةانعزالية أو انشقاقية.11- وعلى مستوى المثقفين والباحثين المختصين نستطيع أن نلاحظ أيضا نفس التخوفوالحذر هاديين في ترددهم عن اقتحام بعض مجالات البحث في حقل الثقافة الشعبية والتني تعتبر ملغومةعقائديا أو سياسيا. كما أنهم في أبحاثهم نفسها يشتغلون غالبا تحت ضغط هاجس الخوف من الاتهام بالسقوط في اهداف ومقاصد المدرسة الاستشراقية. مؤكدين غالبا على ما يشكل في منظورهم عناصر الوحدةوالاتصال في الموروث الثقافي الشعبي العربي. وعندما لا يحضر هذا الهاجس، يفضل الباحث العربي غالباالكتابة بلغة أجنبية كما كان يحدث بالنسبة للعديد من الباحثين الفلسطينيين وما نلاحظه اليوم لدى بعض باحثيالمغرب والجزائر.تلك هي بالاجمال أهم ما يتناسب استخلاصه من العرض العام حول علاقة العرب المحدثين بذاكرتهم الثقافية الشعبية. لم نستهدف منه الاحاطة والشمول ولا التدقيق وما يقتضيه من توثيق واستشهاد، وذلك بسبب من وظيفته التمهيدية في هذا البحث المتصل،موضوع محدد من موضوعات ما اصطلح على تسميته بـ"الثقافة الشعبية". عبد الصمد بلكبير